أخزو زهير/ فاس
تُعتبر مدينة فاس، العاصمة الروحية للمغرب، حاضنةً لتراثٍ غنيٍّ ومتنوع، يشكل فيه قطاع الصناعة التقليدية عموداً فقرياً للهوية الثقافية والاقتصاد المحلي. فمن أزقة المدينة القديمة المتعرجة إلى ورش الحرفيين المنتشرة في أرجائها، تتجسد براعة الصانع الفاسي وإبداعه في منتجات فريدة تحمل بصمات تاريخ عريق.
تنوع الصناعات التقليدية في فاس:
تزخر فاس بتنوعٍ كبير في الصناعات التقليدية، حيث تتداخل الحرف وتتكامل لتشكل نسيجاً اقتصادياً واجتماعياً متماسكاً. من أبرز هذه الصناعات:
* الصناعات الجلدية: تُعدُّ فاس مركزاً رائداً في صناعة الجلود، حيث تشتهر بدباغة الجلود بطرق تقليدية تعود إلى قرون مضت، باستخدام مواد طبيعية مثل قشور الرمان والزعفران. وتتفرع هذه الصناعة إلى إنتاج مجموعة واسعة من المنتجات الجلدية، كالأحذية (البلغة والشربيل)، والحقائب، والأحزمة، والمنتجات الجلدية الفاخرة الأخرى. وتُعتبر “دباغة الزيواني” من أشهر أماكن دباغة الجلود في المدينة.
الصناعات الخزفية والفخارية: تشتهر فاس بإنتاج الخزف والفخار ذي الجودة العالية، والذي يتميز بألوانه الزاهية ونقوشه الهندسية المعقدة. ويُعتبر “الزليج الفاسي” من أبرز مظاهر هذه الصناعة، حيث يُستخدم في تزيين الجدران والأرضيات في المساجد والقصور والمنازل. كما تُنتج المدينة أيضاً أواني فخارية وأدوات منزلية أخرى.
الصناعات النسيجية: تتميز فاس بصناعة النسيج التقليدي، حيث تُنتج أنواعاً فاخرة من الأقمشة، كالحرير والبروكار، باستخدام أنوال يدوية. ويُستخدم هذا النسيج في صناعة الملابس التقليدية، كـ “القفطان” و “الجلابة”، بالإضافة إلى المفروشات والستائر. ويُعتبر “الطرز الفاسي” من أشهر أنواع التطريز اليدوي في المدينة.
الصناعات الخشبية: يشتهر الحرفيون في فاس بنقش الخشب وتطعيمه، حيث يُستخدم الخشب في صناعة الأبواب والنوافذ والأثاث والأدوات المنزلية. ويتميز النقش الفاسي بدقته وجمالياته، حيث يُستخدم لتزيين المساجد والقصور والمنازل.
الصناعات المعدنية: يشتهر الحرفيون في فاس بصناعة النحاس والفضة، حيث يُنتجون مجموعة متنوعة من المنتجات، كالأواني والأدوات المنزلية والمجوهرات. ويتميز النقش على النحاس والفضة بدقته وجمالياته، حيث يُستخدم لتزيين المساجد والقصور والمنازل.
أهمية الصناعة التقليدية في فاس:
تُلعب الصناعة التقليدية دوراً حيوياً في مدينة فاس على مختلف الأصعدة:
الاقتصاد: تُساهم الصناعة التقليدية بشكل كبير في الاقتصاد المحلي، حيث تُوفر فرص عمل للعديد من السكان، وتُساهم في تنشيط السياحة.
الثقافة والتراث: تُعتبر الصناعة التقليدية جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية والتراثية للمدينة، حيث تُحافظ على المهارات والمعارف التقليدية التي توارثتها الأجيال.
السياحة: تُعتبر الصناعة التقليدية من أهم عوامل الجذب السياحي في فاس، حيث يتوافد السياح من مختلف أنحاء العالم لمشاهدة الحرفيين وهم يعملون وشراء المنتجات التقليدية.
التحديات التي تواجه الصناعة التقليدية:
على الرغم من أهميتها، تواجه الصناعة التقليدية في فاس بعض التحديات، منها:
* المنافسة من المنتجات المستوردة: تُواجه المنتجات التقليدية منافسة شديدة من المنتجات المستوردة الرخيصة.
* صعوبة تسويق المنتجات: يُواجه الحرفيون صعوبة في تسويق منتجاتهم، خاصةً في الأسواق الخارجية.
* نقص التمويل: يُواجه الحرفيون صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لتطوير ورشهم وشراء المواد الخام.
* هجرة الشباب: يُواجه القطاع مشكلة هجرة الشباب إلى قطاعات أخرى، مما يُهدد استمرارية بعض الحرف التقليدية.
جهود الحفاظ على الصناعة التقليدية:
تبذل العديد من الجهود للحفاظ على الصناعة التقليدية في فاس وتطويرها، منها:
* دعم الحرفيين: تُقدم الحكومة والمنظمات غير الحكومية الدعم للحرفيين من خلال توفير التدريب والتمويل والمساعدة في تسويق منتجاتهم.
* إنشاء تعاونيات: يتم تشجيع الحرفيين على إنشاء تعاونيات لتسهيل تسويق منتجاتهم وتقاسم الخبرات.
* الترويج للمنتجات التقليدية: يتم الترويج للمنتجات التقليدية من خلال المعارض والأسواق والمواقع الإلكترونية.
* تعليم الحرف التقليدية: يتم تعليم الحرف التقليدية في المدارس والمعاهد المهنية للحفاظ عليها ونقلها إلى الأجيال القادمة.
تظل الصناعة التقليدية في فاس رمزاً للإبداع والابتكار، وشاهداً على تاريخ المدينة العريق. ومن خلال تضافر الجهود، يُمكن الحفاظ على هذا التراث الثمين وتطويره ليُساهم في ازدهار المدينة واقتصادها.