لا يمكن لمن يزور إقليم تاونات أو يتابع أحوال ساكنته إلا أن يلحظ حجم المفارقة الصارخة بين ما تزخر به المنطقة من إمكانيات بشرية وطبيعية، وبين واقع التنمية المتعثر الذي تعيشه على أكثر من صعيد. إنه واقع يطرح أسئلة حارقة حول دور النخب السياسية المحلية ومدى استجابتها لتطلعات المواطنين وللتوجيهات الملكية السامية التي ما فتئت تؤكد على ضرورة تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية.
يُعد التهميش في البنية التحتية عنواناً عريضاً لمعاناة الإقليم. فالطرقات، سواء الرئيسية منها أو تلك التي تربط بين الدواوير والمراكز، لا تزال في حالة لا ترقى إلى تطلعات الساكنة، مما يعيق التنقل ويؤثر سلباً على الاقتصاد المحلي ويزيد من عزلة العديد من المناطق. ويضاف إلى ذلك مشكلة انعدام الإنارة العمومية أو ضعفها في العديد من الأحياء والتجمعات السكنية، حتى في بعض المراكز شبه الحضرية، مما يخلق شعوراً بانعدام الأمان ويحد من حركة المواطنين ليلاً.
أما قطاعا الصحة والتعليم، وهما ركيزتان أساسيتان لأي تنمية، فيشهدان بدورهما إشكالات عميقة. يصف المواطنون حضور المندوبية الإقليمية للصحة و المديرية الإقليمية للتعليم بالغياب أو، في أحسن الأحوال، بالمحدودية في الفعالية والتأثير على أرض الواقع. فالخدمات الصحية لا تزال بعيدة عن المستوى المطلوب، سواء من حيث قلة الأطر الطبية والممرضين أو نقص التجهيزات والمستلزمات الأساسية، مما يضطر الكثيرين لقطع مسافات طويلة بحثاً عن العلاج في مدن أخرى.
وفي قطاع التعليم، تتجسد معاناة التلاميذ، خاصة في الدواوير والمناطق النائية، في صعوبة الوصول إلى المدارس بسبب وعورة المسالك أو انعدام النقل المدرسي الكافي، فضلاً عن الاكتظاظ في بعض الأقسام ونقص الوسائل التعليمية، مما يؤثر حتماً على جودة التحصيل الدراسي ويزيد من شبح الهدر المدرسي.
كل هذا ينعكس سلباً على فئة الشباب، التي تجد نفسها في مواجهة بطالة متفشية نتيجة لغياب فرص شغل حقيقية ومشاريع تنموية قادرة على استيعاب طاقاتهم. ويزيد من إحباطهم انعدام ملاعب القرب والمرافق الرياضية والثقافية التي يمكن أن تشكل متنفساً لهم وتساعد على صقل مواهبهم وإبعادهم عن مخاطر الانحراف.
إن هذا الواقع المؤلم يتناقض بشكل صارخ مع الرؤية الملكية المستنيرة. ففي العديد من خطاباته السامية، أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، على الأولوية القصوى التي يجب أن تحظى بها فئة الشباب، مشدداً على ضرورة دعمهم في مجال التشغيل وتوفير فرص العمل اللائق لهم.
كما أكد جلالته مراراً وتكراراً على أهمية تعميم الصحة لجميع المواطنين وتحسين جودة الخدمات الاستشفائية، والنهوض بقطاع التعليم باعتباره أساس بناء المستقبل، وتوفير فضاءات الرياضة والترفيه للشباب.
وهنا يطرح السؤال المحوري بإلحاح: أين هو دور السياسيين والمنتخبين في إقليم تاونات من كل هذا؟ هل هم مجرد متفرجين على معاناة الساكنة؟ هل يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في تنزيل التوجيهات الملكية وتحقيق تطلعات المواطنين الذين وضعوا ثقتهم فيهم؟ هل ضمائرهم حاضرة أم غائبة وهم يرون هذا التهميش يتجذر في منطقتهم؟
إن إقليم تاونات بحاجة ماسة إلى نخبة سياسية فاعلة، تمتلك رؤية واضحة وبرامج عملية، وتضع مصلحة الإقليم وساكنته فوق كل اعتبار. نخبة قادرة على الترافع بقوة لدى الجهات المركزية لجلب الاستثمارات والمشاريع، وعلى تتبع تنفيذها على أرض الواقع، ومحاسبة المقصرين.
فالمواطن التاوناتي لم يعد يحتمل المزيد من الوعود الجوفاء والانتظارية القاتلة، وهو يتطلع إلى غد أفضل يلمس فيه آثار التنمية الحقيقية على حياته اليومية.