تاونات: جنة الطبيعة في مواجهة مرارة الواقع… صرخة الساكنة في ظل غياب المنتخبين

فايس بريس18 أبريل 2025آخر تحديث :
تاونات: جنة الطبيعة في مواجهة مرارة الواقع… صرخة الساكنة في ظل غياب المنتخبين

يزخر إقليم تاونات، الواقع في قلب مقدمة جبال الريف بشمال المغرب، بإمكانيات طبيعية وفلاحية هائلة. فهو يحتضن اثنين من أكبر سدود المملكة، سد الوحدة وسد إدريس الأول، اللذين يوفران موارد مائية ضخمة ويشكلان مصدر فخر وطني. وتتنوع تضاريسه بين الجبال الشامخة والوديان الخصبة، مما يرسم لوحات طبيعية خلابة تجذب الزوار. كما تشتهر المنطقة بإنتاجها الفلاحي الوفير، وعلى رأسه الزيتون والتين والحبوب، وتاريخياً، أنجبت المنطقة شخصيات تركت بصمتها في تاريخ المغرب.

لكن خلف هذه الواجهة الساحرة، يختبئ واقع مرير تعيشه الساكنة المحلية يومياً. فالمعاناة تمتد لتشمل جوانب أساسية من الحياة، أبرزها:

هشاشة البنية التحتية: تعاني العديد من المناطق، خاصة القروية منها، من ضعف كبير في البنية التحتية. الطرق غير معبدة أو في حالة سيئة، مما يعزل الدواوير ويزيد من صعوبة التنقل والوصول إلى الخدمات الأساسية. شبكات الصرف الصحي تكاد تكون منعدمة في كثير من التجمعات السكنية، مما يطرح مشاكل صحية وبيئية خطيرة.

أزمة الماء الصالح للشرب: المفارقة الصارخة تكمن في كون الإقليم الذي يحتضن أكبر السدود يعاني سكانه في العديد من المناطق من أجل الحصول على قطرة ماء نظيفة. الانقطاعات المتكررة، وضعف الصبيب، وعدم ربط العديد من المنازل بالشبكة، خاصة في المناطق الجبلية، كلها عوامل تجعل الحصول على الماء تحدياً يومياً، وتضطر الساكنة، خاصة النساء والأطفال، لقطع مسافات طويلة لجلب الماء.

تفاقم ظاهرة الهدر المدرسي: رغم المجهودات المبذولة، لا تزال نسب الهدر المدرسي مقلقة في الإقليم. ويعزو المتتبعون ذلك إلى عدة عوامل، منها ضعف البنية التحتية التعليمية في بعض المناطق، وصعوبة الوصول إلى المدارس بسبب وعورة المسالك وبعد المسافات، بالإضافة إلى الفقر الذي يجبر بعض الأسر على إخراج أبنائها من المدرسة للمساعدة في العمل.

غياب الإنارة العمومية: تعاني العديد من الأحياء والمناطق، حتى داخل بعض المراكز شبه الحضرية، من غياب أو ضعف الإنارة العمومية، مما يحول الشوارع إلى أماكن موحشة ليلاً ويزيد من انعدام الأمن ويحد من حركة السكان بعد غروب الشمس.

في ظل هذه المعاناة، يوجه العديد من المواطنين أصابع الاتهام بالتقصير إلى ممثليهم المنتخبين، سواء البرلمانيين أو رؤساء الجماعات الترابية. فمنذ تشكيل ما يسمى بـ “التحالف الرباعي” الذي يسير شؤون الإقليم والمجالس المنتخبة فيه منذ انتخابات 2021، يرى كثيرون أن الوعود الانتخابية تبخرت وأن المسؤولين “في نوم عميق“، على حد تعبير بعض النشطاء المحليين.

وينتقد السكان ظهور هؤلاء المسؤولين بشكل مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المناسبات الرسمية، متحدثين عن “حصيلة مشرفة” وإنجازات، بينما الواقع على الأرض، كما يلمسه المواطن البسيط، يكذب هذه الادعاءات. فالمشاكل الأساسية المتعلقة بالبنية التحتية والماء والتعليم والإنارة لا تزال قائمة بل وتتفاقم في بعض الأحيان.

في المقابل، لا يمكن إنكار المجهودات التي تبذلها السلطات المحلية والإقليمية، ممثلة في عمالة الإقليم والقيادات والباشويات، للدفع بعجلة التنمية ومحاولة إيجاد حلول لبعض المشاكل العالقة. فهناك تدخلات مستمرة ومشاريع تحاول رأب الصدع، لكن حجم التحديات والإكراهات، وغياب مواكبة حقيقية وفعالة من طرف المجالس المنتخبة، يجعل هذه المجهودات تبدو كقطرة في بحر أمام حجم الانتظارات والمعاناة.

ختاماً، يبقى إقليم تاونات مثالاً صارخاً للمفارقة بين الإمكانيات الطبيعية الهائلة والواقع التنموي المتعثر. وتظل صرخة الساكنة مدوية، مطالبة ممثليها بالخروج من مكاتبهم وصورهم الافتراضية والنزول إلى الميدان للوقوف على حقيقة الأوضاع والعمل بجدية لإيجاد حلول ملموسة ترفع عنهم غبن سنوات من التهميش والانتظار. فهل يستيقظ المنتخبون من سباتهم قبل فوات الأوان وقبل أن تضيع سنوات أخرى (2021-2025 وما بعدها) دون تحقيق التنمية المنشودة؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة