في مشهد يكاد يكون مألوفاً في بعض الدوائر الانتخابية بالمغرب، أطلّ النائب البرلماني الممثل لدائرة تيسة-تاونات مؤخراً على الساحة، ليس بخطة تنموية متكاملة أو استجابة لمطالب طال انتظارها، بل بقافلة طبية متعددة الاختصاصات. هذه العودة تأتي بعد غياب، يصفه أبناء المنطقة بالطويل جداً، دام لأكثر من أربع سنوات، فترة لم تشهد فيها مناطق واسعة من الإقليم، وعلى رأسها جماعة عين معطوف، أي تحرك ملموس من ممثلهم في قبة البرلمان لمعالجة قضاياهم الملحة.
غياب مبرر أم إهمال متعمد؟
يثير هذا الظهور المتأخر تساؤلات مشروعة لدى الساكنة: أين كان ممثلهم طوال هذه المدة؟ ولماذا الآن تحديداً يعود بهذا النشاط الذي، على أهميته الظرفية، لا يعالج جذور المشاكل العميقة التي يتخبط فيها الإقليم؟ إن جماعة مثل عين معطوف، التي تعاني الأمرين من التهميش والإقصاء الممنهج، كما يصفه أبناؤها، بحاجة ماسة إلى ما هو أعمق وأكثر استدامة من قافلة طبية مناسباتية.
معاناة يومية وبنية تحتية متهالكة:
تئن جماعة عين معطوف تحت وطأة بنية تحتية مهترئة، طرق غير معبدة، ومرافق أساسية غائبة أو شبه غائبة. لكن الصرخة الأعلى تبقى من أجل الماء الصالح للشرب، هذا الحق الأساسي الذي أصبح حلماً بعيد المنال لعدد كبير من الأسر. كيف يمكن الحديث عن التنمية وجذب الاستثمارات في منطقة يفتقر سكانها لأبسط مقومات الحياة الكريمة؟ إن غياب الماء ليس مجرد مشكلة تقنية، بل هو عنوان لفشل السياسات المحلية وعجز المنتخبين عن توفير الأساسيات.
شعارات انتخابية وواقع مرير:
في مفارقة صارخة، يتزامن هذا التجاهل الملموس لمعاناة المواطنين مع بدء ظهور بعض الوجوه السياسية، سواء نواباً أو رؤساء جماعات، في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مطلقين حملات انتخابية مبكرة، ومرددين نفس الشعارات الرنانة عن حب الوطن وأبناء إقليم تاونات. تتساءل الساكنة بمرارة: عن أي حب يتحدثون وهم لم يقدموا شيئاً يذكر خلال ولايتهم الانتخابية؟ أين كانت هذه “المحبة” عندما كانت الطرقات مقطوعة، والآبار جافة، والشباب عاطل؟
صرخة إلى أعلى سلطة في البلاد:
لقد وصل الإحساس بالخذلان لدى الساكنة درجة دفعتهم إلى رفع صوتهم عالياً، ليس فقط لمساءلة نوابهم ورؤساء جماعاتهم حول حصيلة عملهم الهزيلة، بل أيضاً لتوجيه نداء استغاثة إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مطالبين بتدخله العاجل لرفع الحيف وإنصاف الإقليم ومعالجة اختلالاته التنموية العميقة. إن هذا التوجه نحو أعلى سلطة في البلاد يعكس يأساً من الوعود المعسولة وفقداناً للثقة في المؤسسات التمثيلية المحلية والإقليمية.
إن ما يحدث في تاونات، وتحديداً في جماعة عين معطوف، هو نموذج مصغر لأزمة الثقة بين المواطن وبعض منتخبيه. لا يمكن بناء جسور هذه الثقة بالقوافل الطبية الموسمية أو بالظهور الإعلامي الباحث عن الأضواء قبيل الاستحقاقات الانتخابية.