تاونات: غضبٌ يغلي تحت رماد الوعود الكاذبة… فإلى متى؟

فايس بريس14 مايو 2025آخر تحديث :
تاونات: غضبٌ يغلي تحت رماد الوعود الكاذبة… فإلى متى؟

أخزو زهير

في قلب مغربنا النابض، يختبئ إقليم تاونات، كنزٌ من كنوز الطبيعة ورافدٌ من روافد الثقافة الأصيلة. أرضٌ معطاءة، وسواعدٌ فتيةٌ تحلم بمستقبل أفضل. لكن، يا للأسف، يبدو أن هذا الحلم يصطدم بجدارٍ سميكٍ من الإهمال والتسويف، جدارٌ شيده بعض من أوكلت لهم أمانة تمثيل الساكنة والدفاع عن مصالحها. نتحدث هنا عن برلمانيين ورؤساء جماعات، تحولت وعودهم الانتخابية الرنانة إلى سرابٍ بقيعة، وإنجازاتهم المزعومة إلى مشاريع متعثرة أو، في أحسن الأحوال، “منجزات فاشلة” لا تسمن ولا تغني من جوع.

إن المفارقة الصارخة في إقليم تاونات تكمن في غنى إمكاناته وفقر واقع حال ساكنته. كيف يُعقل أن منطقة بهذه المؤهلات الطبيعية والبشرية، وبكثافة سكانية عالية تتوزع على 49 جماعة قروية، لا تزال تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم؟ الماء الصالح للشرب، هذا الحق الأساسي الذي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، يؤكد في كل خطاباته على ضرورة توفيره لجميع المغاربة، لا يزال حلماً بعيد المنال للعديد من قرى ومداشر الإقليم. كأننا في زمن آخر، وزمن التوجيهات الملكية السامية شيء، وزمن تطبيقها على يد بعض المنتخبين شيء آخر تماماً!

وماذا عن البنية التحتية؟ طرقات مهترئة، ومسالك وعرة تعزل الدواوير، وتزيد من معاناة السكان، خاصة في فصل الشتاء. شبح الهدر المدرسي يخيم على مستقبل أطفالنا، في ظل غياب رؤية واضحة لدعم التعليم في العالم القروي. المرأة القروية، عماد الأسرة والمجتمع، تجد نفسها مهمشة، تفتقر إلى الدعم والتأطير الذي يمكنها من المساهمة الفعالة في التنمية المحلية. قطاع الصحة يئن تحت وطأة النقص في الأطر والمعدات، مما يجبر المواطنين على قطع مسافات طويلة بحثاً عن علاج قد لا يجدونه.

والأدهى من ذلك كله، هو مشهد أعمدة الإنارة العمومية المتساقطة على الأرض في بعض القرى، والتي بقيت على حالها لسنوات، شاهدةً حيةً على حجم الاستهتار واللامبالاة. هل يُعقل أن تستمر هذه “المعالم” البائسة رمزاً لوعود كاذبة طال أمدها؟ جماعة تيمزكانة، وجماعة تيسة، وغيرهما كثير، أمثلة حية على هذه المعاناة اليومية التي تتفاقم في ظل غياب تام أو نوم عميق للمسؤولين السياسيين، الذين لا يظهرون إلا في المواسم الانتخابية، حاملين سلالاً جديدة من الأوهام.

في المقابل، لا يمكننا إلا أن نشيد بالدور الذي تلعبه السلطات المحلية، التي تسعى جاهدة، وفي حضور دائم، للتواصل مع المواطنين والتخفيف من معاناتهم قدر الإمكان. لكن يد واحدة لا تصفق، فغياب الانخراط الفعلي والمسؤول للمنتخبين يجعل جهود السلطة كمن يحرث في البحر.

لقد بلغ السيل الزبى! أصوات الفاعلين الجمعويين والساكنة المكلومة ترتفع يوماً بعد يوم، مطالبةً بتدخل عاجل لرفع هذا الحيف وإنهاء هذه المهزلة. إنهم لا يطالبون بالمستحيل، بل بحقهم المشروع في التنمية والكرامة والعيش الكريم، وهي الحقوق التي ما فتئ عاهل البلاد يؤكد عليها.

إلى متى سيظل إقليم تاونات رهينة لحسابات سياسية ضيقة وإهمال مقصود؟ إلى متى سيستمر هذا التناقض الصارخ بين التوجيهات الملكية السامية وبين واقع الحال المزري الذي يعيشه المواطنون؟ إن تاونات تستحق أفضل، وسكانها يطالبون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بمساءلة المقصرين وبتحقيق تنمية حقيقية ومستدامة، لا مجرد وعود تتلاشى مع أول اختبار للجدية والمسؤولية. فالصبر له حدود، والغضب الشعبي إذا انفجر قد لا تُحمد عقباه.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة