“زواج ليلة تدبيرو عام”: قراءة في ارتفاع معدلات الطلاق بالمغرب في ظل أزمة البطالة

فايس بريس25 مايو 2025آخر تحديث :
“زواج ليلة تدبيرو عام”: قراءة في ارتفاع معدلات الطلاق بالمغرب في ظل أزمة البطالة

بقلم:أخزو زهير 

يُطلق في المغرب مثل شعبي قديم يلخص واقعًا مريرًا يواجهه العديد من الشباب المقبل على الزواج، وهو “زواج ليلة تدبيرو عام”. هذا المثل، الذي يعني حرفيًا “زواج لليلة وتدبير لسنة”، يكتسي اليوم دلالات أعمق في ظل أزمة البطالة المتفاقمة وتأثيراتها على استقرار الأسر المغربية. فما نراه اليوم ليس مجرد تدبير اقتصادي مؤقت، بل تحولًا ينذر بتفكك اجتماعي متزايد، حيث تُسجل حالات طلاق بعد شهر أو يزيد بقليل من الزواج.

إن ارتفاع معدلات الطلاق في المغرب ليس حديث العهد، لكن اللافت هو تزامن هذه الزيادة مع تفاقم أزمة البطالة، خاصة في صفوف الشباب. فكيف يمكن لشاب يعاني من هشاشة اقتصادية أن يتحمل مسؤولية بناء أسرة؟ وكيف يمكن لفتاة أن تستقر في كنف زوج غير قادر على توفير أساسيات الحياة الكريمة؟

لا شك أن الأرقام الصادرة عن وزارة التخطيط حول نسب البطالة لها دلالات اجتماعية عميقة تتجاوز الجانب الاقتصادي. فحين يعجز الشباب عن إيجاد فرص عمل لائقة، يتأثر قرارهم بالزواج وتستمر قدرتهم على تحمل مسؤولياته. هذا الوضع يخلق بيئة هشة للعلاقات الزوجية، حيث يصبح الضغط المادي سببًا رئيسيًا للخلافات التي قد تنتهي بالطلاق.

محاكم الأسرة.. شاهد على التفكك:
تمثل محاكم الأسرة في المغرب الخط الأمامي لمواجهة هذه الظاهرة. فهي تستقبل يوميًا عشرات القضايا المتعلقة بالطلاق، وتعكس حجم المعاناة والتفكك الذي يطال الأسر. قد تكون الإحصائيات الرسمية مؤلمة، لكنها ضرورية لفهم حجم المشكلة ووضع حلول ناجعة لها.

من منظور علم الاجتماع، يمكن تفسير ارتفاع معدلات الطلاق في سياق التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع المغربي. فقد يلعب ضعف الاستقرار المادي دورًا كبيرًا في زعزعة أسس الزواج، خاصة في البيئة الناشئة التي تتطلع إلى تحقيق الذات والاستقرار. كما أن تغير القيم وتراجع دور الأسرة الممتدة قد يساهم في تفاقم المشكلة.

و يبقى الدور الأكبر على عاتق الحكومة في معالجة هذه الأزمة. فبالإضافة إلى جهودها في خلق فرص الشغل، يجب عليها أن تتبنى سياسات اجتماعية داعمة للأسر الشابة، ربما من خلال توفير مساعدات مادية أو برامج للتأهيل الأسري. إن الاستثمار في استقرار الأسرة هو استثمار في مستقبل المجتمع ككل.

بالنظر إلى أسباب الطلاق المتداولة في المحاكم، نجد أن الشقاق وعدم التوافق يحتلان الصدارة، لكن غالبًا ما تكون لهذه الأسباب جذور اقتصادية واجتماعية عميقة. فالضغوط المادية، وعدم القدرة على تلبية احتياجات الأسرة، والخلافات حول تدبير الشؤون المالية، كلها عوامل تساهم بشكل أو بآخر في تفاقم الخلافات الزوجية وتؤدي في نهاية المطاف إلى الطلاق.

ختامًا، إن مثل “زواج ليلة تدبيرو عام” لم يعد مجرد تعبير عن صعوبة الظروف الاقتصادية، بل أصبح مؤشرًا ينذر بتحديات اجتماعية أعمق. مواجهة ارتفاع معدلات الطلاق تتطلب مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وتستدعي تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والأسر نفسها من أجل بناء أسر مغربية مستقرة وقادرة على مواجهة تحديات العصر.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة