في قلب منطقة تاونات، حيث تتجذر زراعة القنب الهندي (الكيف) في تاريخ وثقافة المنطقة، بدأ يتكشف واقع جديد يختلف تمامًا عن الصورة النمطية المرتبطة بالاستعمالات غير المشروعة. “فايس بريس”، بشبكتها الصحفية المتجذرة في رصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية، توجهت إلى هذه المنطقة الجبلية لتسليط الضوء على الإمكانات الواعدة للقنب الهندي في سياقه القانوني الجديد، وكيف يمكن أن يغير المشهد الاقتصادي والاجتماعي لسكان تاونات.
من التهميش إلى التشريع: تحول تاريخي
لطالما عانت مناطق زراعة القنب الهندي في المغرب من التهميش والوصمة الاجتماعية، حيث ارتبطت هذه الزراعة بالأنشطة غير القانونية وتداعياتها. ومع ذلك، شكل القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، الذي صادق عليه المغرب في عام 2021، نقطة تحول تاريخية. هذا القانون يفتح الباب أمام استغلال هذه النبتة في مجالات الطب، الصناعة، ومستحضرات التجميل، مما يوفر فرصًا اقتصادية غير مسبوقة للمزارعين والمستثمرين على حد سواء.
تاونات: مركز الارتكاز للنموذج الجديد
تعتبر تاونات، إلى جانب مناطق أخرى مثل الحسيمة وشفشاون، من المناطق الرائدة التي تم تحديدها لزراعة وتصنيع القنب الهندي لأغراض مشروعة. “فايس بريس” رصدت اهتمامًا متزايدًا من قبل الفاعلين المحليين والوطنيين بالانخراط في هذا المسار الجديد. المزارعون، الذين لطالما تعرضوا لخطر الملاحقة القانونية، يجدون الآن فرصة لتشريع وضعهم والعمل في إطار قانوني يحمي حقوقهم ويوفر لهم مصادر دخل مستقرة ومستدامة.
الاستعمالات الاقتصادية: تنويع مصادر الدخل
التحقيق الذي أجرته “فايس بريس” في تاونات كشف عن توقعات إيجابية فيما يتعلق بالاستعمالات الاقتصادية للقنب الهندي. فبالإضافة إلى الاستخدامات الطبية والعلاجية التي يتزايد الطلب عليها عالميًا، يمكن استغلال القنب في صناعات متنوعة:
- صناعة النسيج: ألياف القنب قوية ومتينة ويمكن استخدامها لإنتاج أقمشة صديقة للبيئة.
- صناعة مواد البناء: يمكن تصنيع مواد عازلة وخفيفة الوزن من سيقان القنب.
- مستحضرات التجميل: زيتها غني بالمركبات المفيدة للبشرة والشعر.
- المكملات الغذائية: بذور القنب غنية بالبروتينات والأحماض الدهنية الأساسية.
هذا التنوع يوفر إمكانيات كبيرة لخلق سلاسل قيمة جديدة، توفر فرص عمل للشباب، وتساهم في التنمية الاقتصادية للمنطقة التي تعتمد بشكل كبير على الفلاحة.
التحولات الاجتماعية: نحو مجتمع أكثر استقرارًا وازدهارًا
لا يقتصر تأثير تشريع القنب الهندي على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد ليشمل تحولات اجتماعية عميقة. “فايس بريس” تحدثت مع عدد من السكان المحليين الذين عبروا عن أملهم في مستقبل أفضل:
- تحسين الظروف المعيشية: سيتخلص المزارعون من الخوف من الملاحقة، وستتحسن ظروفهم المعيشية بفضل دخل مستقر ومشروع.
- تمكين المرأة القروية: يمكن أن تلعب المرأة دورًا محوريًا في عمليات ما بعد الحصاد والتصنيع، مما يعزز من استقلاليتها الاقتصادية.
- الحد من الجريمة المنظمة: يساهم التشريع في تقويض شبكات تهريب المخدرات، وبالتالي تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
- الاستثمار في البنية التحتية: من المتوقع أن يؤدي النمو الاقتصادي إلى استثمارات أكبر في البنية التحتية والخدمات الأساسية كالتعليم والصحة.
التحديات والآفاق المستقبلية
بالرغم من التفاؤل، لا تخلو هذه المرحلة من التحديات. يشمل ذلك ضرورة مواكبة المزارعين في التحول إلى الزراعة المشروعة، وتوفير التكوين اللازم، وضمان تسويق فعال للمنتجات. كما يتطلب الأمر استثمارات كبيرة في البنية التحتية التصنيعية والبحث والتطوير.
“فايس بريس” تؤكد أن نجاح هذا المشروع الوطني في تاونات سيكون نموذجًا يمكن الاحتذاء به في مناطق أخرى. إنها فرصة تاريخية للمغرب لتحويل نبتة مثيرة للجدل إلى محرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتأكيدًا على أن التشريع المدروس يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة للازدهار في المجتمعات المحلية.
