أخزو زهير
فاس، القلب النابض للمغرب الروحي والثقافي، ليست مجرد مدينة؛ إنها متحف حي ينبض بالتاريخ، وحاضنة لحضارة عريقة، ووجهة سياحية آسرة تجمع بين أصالة الماضي وجمال الحاضر. من أزقتها المتعرجة إلى أسواقها الصاخبة ومدارسها العتيقة، تحكي فاس قصصًا لا حصر لها عن قرون من الإبداع، العلم، والفن.
تاريخ فاس: جذور عميقة وحضارة شامخة
تأسست مدينة فاس على يد إدريس الثاني عام 789 م ، وشهدت ازدهارًا كبيرًا تحت حكم الأدارسة، المرابطين، الموحدين، والمرينيين. لقد كانت عاصمة للعديد من السلالات الحاكمة، مما أكسبها مكانة فريدة كمركز للعلم والدين والثقافة في العالم الإسلامي. جامعة القرويين، التي تعد من أقدم الجامعات في العالم، تأسست في فاس عام 859 ميلاديًا، لتصبح منارة للعلم تجذب الطلاب والعلماء من كل حدب وصوب. إن تاريخ فاس الغني يظهر جليًا في هندستها المعمارية الفريدة، التي تمزج بين الفنون الأندلسية، الأمازيغية، والعربية، لتخلق لوحة فنية معمارية لا مثيل لها.
الأحياء العريقة بالمدينة القديمة: قلب فاس النابض
المدينة القديمة بفاس، أو “فاس البالي”، هي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، وتعد من أكبر المدن العتيقة في العالم التي لا تزال مأهولة بالسكان. تتميز بأحيائها العريقة التي تحتفظ بعبق التاريخ وتراث الأجداد. حي الأندلسيين وحي القرويين هما من أبرز هذه الأحياء، حيث يضجان بالحياة والحرف التقليدية. يمكن للزوار التجول في المدابغ التقليدية التي تشتهر بإنتاج الجلود، وساحة الصفارين حيث يعمل الحرفيون على تشكيل النحاس بمهارة فائقة. كل زقاق في فاس البالي يحمل قصة، وكل باب خشبي عتيق يفتح على عالم من الحرف اليدوية الأصيلة، من صناعة الفخار والزرابي إلى النقش على الخشب والمعادن.
فعاليات فاس الثقافية والفنية: نبض الإبداع
تزخر مدينة فاس بالعديد من الأحداث والمهرجانات الثقافية والفنية التي تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم. مهرجان فاس للموسيقى الروحية العالمية هو أحد أبرز هذه الأحداث، حيث يجمع فنانين من مختلف الثقافات لتقديم عروض موسيقية روحانية تعكس التنوع الفني والإنساني. بالإضافة إلى ذلك، تستضيف المدينة العديد من المعارض الفنية، الندوات الفكرية، وورش العمل التي تساهم في إثراء المشهد الثقافي وتوفير منصة للفنانين والحرفيين لعرض إبداعاتهم.
شهادات وحكايات: أصداء من فاس
شهادة من سكان المدينة: يقول أحمد، بائع توابل في المدينة القديمة منذ أكثر من 40 عامًا: “فاس ليست مجرد مكان أعيش فيه، إنها جزء مني. هنا، كل حجر يحمل ذكرى، وكل شارع يحكي قصة أجدادنا. جمال فاس في روحها الأصيلة، في كرم أهلها، وفي رائحة التوابل والجلود التي تملأ الهواء.”
شهادة من زوارها: تشارك سارة، سائحة من فرنسا، تجربتها: “زيارة فاس كانت تجربة فريدة من نوعها. شعرت وكأنني عدت بالزمن إلى الوراء. الأزقة الضيقة، الأسواق المزدحمة، وروعة المعمار. الأجواء الساحرة وموسيقى المهرجانات جعلتني أقع في حب هذه المدينة. إنها حقًا جوهرة المغرب.”
تحديات وفرص التنمية في العصر الحديث
تواجه مدينة فاس، كغيرها من المدن التاريخية، تحديات عديدة في العصر الحديث، أبرزها الحفاظ على تراثها العمراني من التدهور، وتطوير البنية التحتية لتلبية احتياجات النمو السكاني والسياحي المتزايد، بالإضافة إلى مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
ومع ذلك، تكمن في هذه التحديات فرص عظيمة للتنمية. فالتراث الثقافي الغني لفاس يمثل موردًا هائلاً للسياحة المستدامة، والتي يمكن أن تساهم في خلق فرص عمل وتعزيز الاقتصاد المحلي. كما أن الاستثمار في التعليم والابتكار، مع الحفاظ على الهوية الثقافية للمدينة، يمكن أن يدفع بعجلة التنمية ويجعل من فاس نموذجًا للتوازن بين الحفاظ على الأصالة ومواكبة التطور.
آراء الخبراء وشهادات الضيافة
وفي تصريح للأستاذ الباحث في التاريخ، أكد على مكانة مدينة فاس قائلاً: “فاس هي ذاكرة المغرب الحيّة. هي ليست فقط مدينة عريقة بل هي رمز للصمود الثقافي والعلمي على مر العصور. دورها المحوري في تاريخ المنطقة وعمقها الحضاري يجعلانها مرجعًا لا غنى عنه لفهم تطور الحضارة الإسلامية في الغرب. إن الحفاظ على هذا الإرث وتثمينه هو مسؤولية جماعية تقع على عاتق الأجيال الحالية والمستقبلية.”
وأضاف صاحب فندق تقليدي بمدينة فاس، حول انطباعات الزوار: “الزوار الذين يقصدون فاس يبحثون عن تجربة مختلفة، عن الأصالة والعمق الثقافي. أغلبهم ينبهرون بالمدينة القديمة، وكيف يعيش الناس فيها بانسجام مع تقاليدهم العريقة. إنهم يقدرون الحرف اليدوية، المأكولات المحلية، وكرم الضيافة الذي يجدونه هنا. فاس تقدم تجربة حسية متكاملة تبقى محفورة في ذاكرتهم لفترة طويلة.”
فاس، بتفاصيلها الساحرة وأجوائها الروحانية، تظل دعوة مفتوحة لاستكشاف تاريخ عريق وحضارة لا تزال تنبض بالحياة. هل أنت مستعد لرحلة إلى قلب الزمن؟