مكناس: منارة حضارية تتأرجح بين المجد التاريخي وفوضى التدبير الحالية

فايس بريس10 يوليو 2025آخر تحديث :
مكناس: منارة حضارية تتأرجح بين المجد التاريخي وفوضى التدبير الحالية

كانت مكناس، في زمن غير بعيد، تشع كمنارة للحضارة المغربية، شاهدة على تاريخ عريق ومكانة استراتيجية راسخة في الوجدان الوطني. ولكن اليوم، يبدو وكأن المدينة تسير في مسار معاكس، تفقد بريقها تدريجيًا لتصبح مثالًا صارخًا لسوء التدبير الحضري وغياب الرؤية في التسيير المحلي.

“حراس السيارات”: فوضى مقنّعة وتساؤلات حول التراخيص

المجلس الجماعي، الذي كان من المفترض أن يكون القوة الدافعة للإنقاذ، أصبح عنصرًا سلبيًا في مشهد تزداد فيه الفوضى يومًا بعد يوم. وتجلت أحدث مظاهر هذا التدهور في تفشي ظاهرة “حراس السيارات” الذين انتشروا في شوارع المدينة، حاملين سترات جديدة مكتوبًا عليها “مرخص” ومرفقة بشعار الجماعة. لكن هذه المظاهر التنظيمية ليست سوى واجهة شكلية تُخفي وراءها ممارسات غير قانونية قائمة على الابتزاز، والترهيب، والاعتداء على المواطنين الذين يرفضون دفع إتاوات لا أساس قانوني لها.

يكشف هذا الواقع المقلق عن هشاشة المنظومة المحلية وتراجع سلطة القانون أمام ممارسات توحي بأن الأمر لا يتعلق بمجرد تجاوزات فردية، بل بنمط ممنهج من الفوضى المقنّعة. والأخطر من ذلك هو أن عددًا من هؤلاء الحراس لا يملكون أي صفة قانونية، وبعضهم من ذوي السوابق، لكنهم يتحركون بحرية وثقة وكأنهم جزء من جهاز رسمي. هذا يثير شكوكًا حول الجهة التي تمنح هذه “التراخيص” وما إذا كانت هناك مصالح متشابكة تصب في مصلحة التواطؤ والصمت.

صمت المجلس الجماعي: انهيار مفهوم المرفق العمومي

لقد ظلّت ردود فعل المجلس الجماعي غائبة، وكأن الأمر لا يعنيه، أو كأن المدينة لا تقع ضمن دائرة مسؤوليته. فلا توجد تدخلات تُذكر، ولا قرارات حاسمة، ولا إرادة حقيقية لإعادة الأمور إلى نصابها. هذا الجمود لا يعكس فقط فشلًا في التسيير، بل انهيارًا في مفهوم المرفق العمومي ودوره في حماية المواطنين وضمان كرامتهم داخل الفضاء الحضري.

مستقبل مكناس: دعوة إلى تدبير عقلاني ومسؤول

مدينة بحجم مكناس لا تستحق هذا المصير. فبدل أن تكون نقطة جذب حضاري وثقافي واستثماري، باتت تتخبط في مشاكل يومية تمس صورة المدينة وتهدد أمنها الاجتماعي. فوضى المرور، هشاشة البنية التحتية، وغياب المراقبة، كلها مؤشرات على تآكل تدريجي لمنظومة حضرية كانت حتى وقت قريب مصدر فخر وطني.

إن المسؤولية اليوم تقع على عاتق أصحاب القرار المحلي. والواجب يفرض إعادة الاعتبار لمكناس كمدينة ذات رمزية تاريخية وإنسانية، تستحق تدبيرًا عقلانيًا ومسؤولًا، لا تسييرًا عشوائيًا يشبه ما يجري في أسواق مفتوحة دون حسيب أو رقيب. إن إنقاذ مكناس لا يمر عبر الخطب والشعارات، بل عبر أفعال حقيقية تعيد للمدينة هيبتها، وتضمن لسكانها أبسط حقوقهم.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة