في أزقة مدينة شفشاون الزرقاء، حيث تتشابك البيوت كأنها تعانق بعضها البعض، نشأت قصة حب خالدة بين طفلين، أحمد وليلى. كانا لا يفترقان أبدًا، يتقاسمان ألعابهما وأحلامهما البريئة. كانت ليلاه، بضحكتها الرنانة وشعرها المتموج الذي يداعبه نسيم الجبل، أجمل ما رأت عيناه. أما هو، فكان فارسها الصغير الذي لا يتردد في الدفاع عنها ضد أي مكروه، حتى لو كان مجرد قط شرس في زقاق ضيق.
كبر الطفلان، وكبر معهما الحب الذي نما في قلبيهما. أصبح أحمد شابًا وسيمًا، قوي البنية وذو عزيمة لا تلين. ليلى، تحولت إلى شابة فاتنة، عيناها الواسعتان تحملان بريق النجوم، وقلبها ينبض بحب أحمد الذي لم يفارقها لحظة. كانا يتحدثان عن المستقبل، عن البيت الذي سيبنونه، وعن الأطفال الذين سيملأون حياتهما فرحًا. كانت أحلامهما متشابكة كجدائل شعر ليلى، وكل خيط فيها يحمل وعدًا بالخلود.
مفترق الطرق
بعد انتهاء دراستهما الثانوية، كان القدر يخبئ لهما مفاجأة لم تكن في الحسبان. حصلت ليلى على منحة دراسية في الخارج لدراسة الطب، وهو حلم طفولتها. كان الخبر بمثابة صدمة لأحمد وليلى على حد سواء. كيف لهما أن يفترقا بعد كل هذه السنوات؟
“سأعود إليك يا أحمد، هذا ليس وداعًا بل مجرد فترة مؤقتة،” قالت ليلى وعيناها تدمعان، محاولة أن تخفف من وطأة الفراق.
“أنتظرك يا ليلى، مهما طالت السنين،” أجابها أحمد بصوت مخنوق، وهو يشد على يديها كأنما يحاول أن يمسك بها للأبد.
غادرت ليلى، وبقي أحمد في شفشاون، يعمل بجد في ورشة النجارة التي ورثها عن أبيه. كان يرى صورتها في كل زاوية من زوايا المدينة، يسمع صوتها في همس الريح، ويشعر بوجودها في كل قطعة خشب يشكلها. مرّت السنوات بطيئة وثقيلة، كل يوم يحمل في طياته شوقًا وحنينًا لا يطاق. كان يتواصل معها عبر الرسائل والمكالمات، تتخللها فترات صمت طويلة بسبب انشغالها بدراستها.
لقاء بعد غياب طويل
عشر سنوات مرت كلمح البصر. عادت ليلى إلى المغرب، طبيبة ناجحة وذات شأن. كان قلب أحمد يخفق بشدة وهو ينتظرها في المطار. تخيل لحظة لقائهما، عناقهما الطويل الذي سيمحو سنوات الفراق. رأى ليلى تقترب، لكنها لم تكن وحدها. كان برفقتها رجل وطفلان صغار.
تجمد الدم في عروقه. لم يستطع أن يحرك ساكنًا. اقتربت منه ليلى، ابتسامة باهتة على شفتيها، وقالت بصوت هادئ: “أحمد… كيف حالك؟ هذا زوجي، سامي، وهؤلاء أولادي، فرح وعمر.”
كانت الكلمات كالصاعقة التي هوت على رأسه. انهارت أحلامه وقصوره الرملية في لحظة واحدة. لم يتوقع هذه المفاجأة أبدًا. لم يدر بخلده أنها ستتزوج وتكون أسرة بعيدًا عنه. عشر سنوات من الانتظار، عشر سنوات من الوفاء، تبخرت في لحظة.
“أحمد، أعتذر… لقد كانت الحياة هناك مختلفة، وتعرفت على سامي… لم أستطع أن أتحمل الوحدة،” قالت ليلى وعيناها تتجنبان النظر إليه.
لم يستطع أحمد أن ينطق بكلمة. اكتفى بإيماءة بسيطة، ثم استدار وغادر المطار، تاركًا وراءه بقايا قلب مكسور وأحلام تبددت. كانت مفاجأة القدر قاسية، لكنها كانت الحقيقة التي يجب أن يواجهها. ورغم الألم، أدرك أحمد أن الحياة تستمر، وأن لكل قصة نهاية، حتى لو لم تكن النهاية التي حلم بها.