بقلم: محمد الطبيب
( عضو الهيئة التنفيذية لجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان )
بعد سنتين من دخول القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستخدامات المشروعة للقنب الهندي حيز التنفيذ، لا يزال الواقع يطرح أسئلة ملحة حول مآل هذا الورش التشريعي الذي روج له كأحد أعمدة التنمية البديلة في المناطق الجبلية المعروفة تاريخيا بزراعة “الكيف”.
في البداية، شكل القانون بارقة أمل، خصوصا لدى آلاف الفلاحين الصغار الذين لطالما وجدوا أنفسهم عالقين بين مطرقة الحاجة وسندان المتابعة القضائية. غير أن مرور الوقت أظهر أن التحول من التشريع إلى التفعيل لم يكن بنفس الزخم ولا بنفس الوضوح.
بين النص والتطبيق… فجوة مقلقة
الهوة الشاسعة بين أهداف القانون وأثره الملموس على الأرض تكشف عن أزمة حكامة أكثر منها صعوبات ظرفية. فالقانون وعد بحماية الفلاح، وتشجيع التنظيم التعاوني، وجذب الاستثمار في سلاسل القيمة المرتبطة بالصناعة التحويلية للقنب الهندي. لكن غياب التفعيل الفعلي لهذه المرتكزات يضع المشروع على حافة التراجع.
مع بطء الترخيص، غياب التأمين، غموض السوق، وتعثر المشاريع الصناعية… كلها مؤشرات على ارتباك المؤسسات المعنية، وضعف التنسيق، بل وأحيانا غياب الإرادة الحقيقية لتغيير النموذج القائم.
الفلاح: الحلقة الأضعف دائما
الرهان كان واضحا: إدماج الفلاح في الدورة الاقتصادية القانونية. لكن ما حدث هو العكس. لا تمويلات بنكية، لا مواكبة تقنية، لا حماية اجتماعية، ولا تحفيزات اقتصادية واضحة. الفلاح الذي يطلب منه أن يتخلى عن السوق غير المشروعة لصالح القانون، لا يجد بالمقابل ما يشجعه على هذه “المغامرة”.
النتيجة؟ حالة من التردد واللامبالاة، بل وحتى العودة إلى الحلول القديمة، مما يهدد بنسف المشروع من الداخل.
الاستثمار المتردد… والمؤسسات الغائبة
في ظل تأخر صدور دفاتر تحملات دقيقة، وغياب بنية تحتية قادرة على احتضان سلسلة إنتاج متكاملة، لا يمكن للقطاع الخاص أن يبادر بالاستثمار في قطاع ما تزال ملامحه غير مكتملة. والأسوأ، أن الحكومة لم تحدث صندوقا خاصا لدعم مشاريع هذا القطاع، ما يعمق الشعور بانعدام الجدية في تفعيل القانون.
التنمية لا تبنى بالنوايا
تقنين القنب الهندي ليس مجرد قانون؛ هو مشروع مجتمعي وتنموي يفرض مقاربة شمولية. الجماعات الترابية، التي يفترض أن تكون فاعلا محليا رئيسيا، غائبة. والمجتمع المدني، الذي يمكنه لعب دور الوسيط والمؤطر، لم يتم إدماجه بما يكفي في ورش التوعية والمواكبة.
هذا الغياب المركب يفرغ مشروع التقنين من مضمونه، ويبقيه رهينا لأجهزة إدارية تتحرك ببطء، وبعقلية بيروقراطية لا تواكب التحولات.
إلى أين نمضي؟
أمام هذا الواقع، لا بد من وقفة مراجعة صريحة. المطلوب ليس فقط تسريع وتيرة التنفيذ، بل إعادة بناء الثقة بين المؤسسات والفلاح، وخلق منظومة دعم فعالة، وتبسيط الإجراءات، وتوضيح الرؤية الاستثمارية. وإلا، فإن المشروع سينتهي إلى خانة النوايا الحسنة التي لم تجد طريقها إلى الواقع.
إن تأهيل مناطق زراعة القنب الهندي وتحويلها إلى رافعة للتنمية لا يمكن أن يتم إلا عبر العدالة المجالية، والتمكين الاقتصادي للفلاح، وإشراك حقيقي لكل الفاعلين في رسم السياسات وتنفيذها.
التقنين ليس هدفا في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق الكرامة الاقتصادية والاجتماعية لفئة ظلت لعقود في الهامش.