بقلم : ايوب محفوظ
جهة الدار البيضاء سطات للقنص تعيش واحدة من أحلك فتراتها في مجال القنص، بعدما تحول المكتب الجهوي من هيئة تمثيلية يفترض فيها أن تدافع عن مصالح القناصين وتنظم القطاع وتواكب التحولات القانونية والمؤسساتية إلى فضاء يعج بالتسيب والارتجال وغياب الكفاءة، فمع مرور الوقت تبين أن بعض من دخل المكتب لا يحمل برنامجًا ولا تصورًا ولا حتى نية حقيقية لخدمة القناص أو تطوير المنظومة القنصية بالجهة.
منذ بداية تشكيل هذا المكتب، بدأت تتضح ملامح العبث حين اختار بعض أعضائه الانشغال بالمصالح الشخصية عوض الانكباب على مهامهم التنظيمية، فكان أول همّ عند بعضهم الحصول على سيارة وامتيازات التنقل والظهور في الصور وادعاء الصفة الجامعية (حارس جامعي) دون استحقاق، كل ذلك في غياب شبه تام لأي مبادرة ميدانية أو برنامج تأطيري أو حتى لقاء تواصلي بسيط يربط المكتب بالقناصين أو رؤساء الجمعيات بالجهة الذين باتوا يشعرون بالتهميش والخذلان.
المكتب الذي يفترض فيه أنه يعقد لقاءات موسمية قبل انطلاق كل موسم قنص وأن يخصص أيامًا للتكوين في تقنيات السلامة واحترام الضوابط القانونية بات يُفضل الغياب والصمت وربما التواري عن الأنظار خوفًا من أسئلة مشروعة ومطالب قانونية لا يملك لها جوابًا، فالأخطر من سوء التسيير هو الهروب من النقاش والتخفي وراء شعارات عامة لا تجد ترجمتها في أرض الواقع، والمؤسف أن هذا الخوف من اللقاءات والندوات فتح المجال لارتفاع عدد الحوادث ، حيث سجلت الجهة في المواسم الأخيرة حوادث مؤلمة راح ضحيتها شباب بسبب الجهل بالقانون أو سوء التعامل مع السلاح أو غياب الوعي بقواعد السلامة داخل المحميات.
وفي غياب التأطير، لم نسمع صوت المكتب، لا بلاغ ولا تحسيس ولا بيان ولا حتى مبادرة رمزية من باب حفظ ماء الوجه، وكأن هؤلاء لا علاقة لهم بالقنص ولا مسؤولية لهم في ضمان شروط سلامة الممارسين، فكيف لمكتب جهوي أن يقف صامتًا أمام حوادث مميتة وهو الجهة الأولى التي يفترض أن تؤطر وتُكوّن وتُذكر بالقانون؟
وإذا كان هذا الصمت فاضحًا، فإن سلوكيات أخرى باتت أكثر خطرًا، منها التدخل غير المشروع لبعض أعضاء المكتب في صلاحيات الوكالة الوطنية للمياه والغابات وتجاوز الحدود القانونية والأخلاقية عبر توجيه اتهامات لموظفي الوكالة والتشويش على مهامهم والتحدث باسم القناصين دون أي صفة قانونية، فهؤلاء لا يتوفرون لا على الشخصية الاعتبارية ولا على التوكيل الرسمي للتحدث باسم أي أحد، كل ما في الأمر أنهم احترفوا الخطابات الفارغة والتصريحات الجوفاء التي تُذاع عبر الهواتف وعلى صفحات الفيسبوك لإيهام الرأي العام بأنهم أصحاب سلطة أو قرار.
وما يُثير الاستغراب أكثر هو لجوء بعض هؤلاء إلى اعتماد سياسة الإغراء وشراء الولاءات عبر تقديم امتيازات لبعض الأشخاص الذين يوجهون انتقادات على مواقع التواصل، حيث يتم استمالة هؤلاء عبر الوعود الكاذبة أو منحهم حق القنص في شركات خاصة مقابل الصمت أو حذف المنشورات، وهنا نطرح سؤالًا جوهريًا: هل القنص في شركة بات يُستعمل كأداة لشراء الذمم؟ وهل هذه الممارسات المشينة تدخل في خانة الإنجاز؟ أم أنها مجرد تغطية على الفشل الذريع في التسيير؟
وفي ظل هذا العبث، لم تسلم الجمعيات القنصية من هجوم بعض الـمحسوبين على المكتب، فكل جمعية مستقلة في قرارها يتم التشويش عليها، وكل رئيس لا يساير هوى المسيرين يتم تخوينه، وكل من يطالب بالشفافية يتم اتهامه بالخيانة أو بالتحريض، بل أصبحت بعض الاجتماعات المزعومة تتم في الخفاء ولا يُستدعى لها إلا من يساير الخط، بينما تُقصى الجمعيات النشيطة التي تشتغل على الميدان ولها شرعية الأداء والتاريخ.
هذا الانغلاق وهذا الإقصاء وهذا التحكم جعل جهة الدار البيضاء سطات تعيش عزلة قاتلة عن باقي الجهات، فلا علاقات تنظيمية مثمرة، ولا تنسيق مع الفاعلين الوطنيين، ولا تبادل للتجارب، بل فقط ضجيج ومشاكل داخلية وصراعات تافهة ناتجة عن غياب الحكامة وبعد النظر، حيث اختلطت الأدوار وغاب الفاعلون الحقيقيون وتصدر المشهد أشخاص لا علاقة لهم بثقافة القنص ولا حتى بمستواه التنظيمي.
فإلى متى سيستمر هذا الصمت؟ وإلى متى ستظل الجهات الوصية تتابع من بعيد هذا العبث؟ وهل يُعقل أن تظل جهة بهذه الأهمية رهينة لأشخاص لا يملكون الحد الأدنى من شروط التسيير ولا من أدوات التواصل ولا من أخلاقيات العمل الجمعوي؟
إن القناصة الشرفاء اليوم مدعوون أكثر من أي وقت مضى لإعادة الاعتبار للمشهد الجمعوي القنصي بالجهة، عبر المطالبة بمحاسبة هذا المكتب وتقييم أدائه ووضع حد لتسيبه، بل وتشكيل لجنة جهوية انتقالية من وجوه نزيهة وكفؤة تعمل على لمّ شمل الجمعيات واستعادة الثقة وتنظيم لقاءات مفتوحة مع القناصين وتفعيل الورشات التأطيرية والتكوينية وإشراك الجميع في القرار وخلق شراكة جديدة مع الوكالة الوطنية تقوم على التعاون والاحترام المتبادل.
لأن القنص لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة ولا يمكن أن يتطور في بيئة يسودها الكذب والتضليل والأنانية وشراء المواقف، بل يجب أن يعود إلى حقيقته الأصلية: ممارسة مسؤولة وواعية تحترم الإنسان والطبيعة والقانون.