المغرب على مفترق طرق: تحليل للمشهد السياسي الراهن ورؤية لمستقبل واعد

فايس بريس10 أغسطس 2025آخر تحديث :
المغرب على مفترق طرق: تحليل للمشهد السياسي الراهن ورؤية لمستقبل واعد

عصام مليح

يتجه المغرب نحو نموذج سياسي واقتصادي فريد من نوعه، يوازن بين الاستقرار المؤسساتي وقيادة ملكية ذات دور مركزي، ويستمر هذا النموذج في التطور رغم التحديات المتزايدة. بعد سنوات من الإصلاحات التي تلت “الربيع العربي”، تبرز اليوم معالم جديدة لمسار المغرب السياسي، خاصةً مع قرب الاستحقاقات الانتخابية وتصاعد بعض التوترات الداخلية والخارجية.

الركيزة الملكية والإصلاحات التدريجية

يُعدّ دستور 2011 حجر الزاوية في هذا النموذج، حيث عزز من صلاحيات الحكومة والمؤسسات، مع الحفاظ على دور مركزي للملك، وهو ما رسّخ الاستقرار السياسي كقاعدة أساسية للتقدم. تتجلى هذه الرؤية في التوجيهات الملكية، لعل أبرزها ما جاء في خطاب العرش لسنة 2025، الذي شدد على أولوية معالجة التفاوتات الإقليمية من خلال “منظور التنمية الترابية المتكاملة”، بهدف بناء “مغرب دون سرعتين”. هذه الرؤية تؤكد على أن التنمية يجب أن تكون شاملة وتصل إلى جميع مناطق المملكة، مما يعزز من التماسك الاجتماعي ويقلل من الفوارق.

مسار الانتخابات والبيئة السياسية الراهنة

تترقب الساحة السياسية المغربية الانتخابات البرلمانية القادمة في سبتمبر 2026، حيث صدرت توجيهات بإعداد قانون انتخابي جديد بالتشاور مع مختلف الأطراف السياسية. هذه الخطوة تعكس رغبة في تحديث العملية الديمقراطية وتعزيز شفافيتها.

على الجانب الآخر، يواجه التحالف الحكومي الحالي “الماء والتربة” (المكون من التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال) بعض بوادر التوتر الداخلي. هذه التوترات، التي تظهر في تصريحات متبادلة بين قياداته، قد تؤثر على موثوقية التحالف وتماسكه، خاصةً مع اقتراب موعد الانتخابات، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرة هذا التحالف على مواجهة الاستحقاقات القادمة.

ضغوط مجتمعية وتحديات خارجية

يواجه المغرب اليوم ضغوطًا مجتمعية متصاعدة، أبرزها الاحتجاجات القوية ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتي شهدتها بعض الموانئ. هذه الاحتجاجات تُظهر وجود فجوة بين قرارات الحكومة وبعض توجهات الرأي العام في ملفات حساسة، مما يفرض على صانعي القرار التعامل بحكمة مع هذه المطالب الشعبية.

إضافة إلى ذلك، تظل قضية الصحراء الغربية تحديًا مستمرًا. ورغم الدعم الدولي المتزايد لخطة الحكم الذاتي المغربية، إلا أن بعض الأصوات والجهات الدولية تستمر في محاولات لعرقلة هذا الحل. يبقى التعامل مع هذا الملف حاسمًا للمستقبل السياسي للمملكة، خاصةً في ظل التأكيدات المستمرة على سيادة المغرب على أراضيه.

خارطة الإصلاح الرقمي والتنمية الاقتصادية

لم يغفل المغرب عن مواكبة التطورات العالمية، حيث أطلقت الحكومة استراتيجية طموحة للتحول الرقمي تحت عنوان “المغرب 2030”. تعتمد هذه الاستراتيجية على الذكاء الاصطناعي لتبسيط الخدمات العامة وتعزيز ثقافة التطوير. من شأن هذا التحول أن يعزز الثقة في مؤسسات الدولة ويُحسن من كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين.
في السياق نفسه، تتواصل المشاريع الكبرى للبنية التحتية، مثل مشروع القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش. هذه المشاريع لا تهدف فقط إلى تحسين التنقل، بل هي محركات للتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل، مما يدعم رؤية المغرب المستقبلية.

سيناريوهات مستقبلية متوقعة

تتجه الأنظار نحو سيناريوهين رئيسيين:

  •  السيناريو المرجح – الإصلاح التدريجي: يستمر المغرب في مسار الاستقرار، وتتوسع جهود التنمية الإقليمية، وتنجح خطط رقمنة الإدارة، مع قدرة الحكومة على تجاوز التوترات الانتخابية.
  • السيناريو الأقل احتمالًا – الجمود والتوتر: تتفاقم الأزمات الاقتصادية، ويضعف دور الأحزاب السياسية، وتتصاعد الاحتجاجات، وتزداد حدة التحديات المرتبطة بالصحراء والمطالب الإقليمية.

خاتمة: تحديات وفرص متباينة

يقف المغرب اليوم عند مفترق طرق حقيقي. فمن جهة، هناك ملكية قوية، وإصلاحات بطيئة لكنها مستمرة، ومن جهة أخرى، توجد ضغوط شعبية حقيقية وتطلعات للنهوض الاقتصادي والاجتماعي. التجربة المغربية، وإن كانت فريدة من نوعها، يمكن أن تتحول إلى نموذج مستدام إذا ما تم تفعيل الإصلاحات بشكل أوسع وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية والمجتمعية.

تُعد الأيام القادمة حاسمة في تحديد قدرة المغرب على بناء نموذج سياسي يواكب طموحات شعبه ويواجه تحدياته بذكاء ومرونة، وذلك بما يتماشى مع التوجهات الملكية التي لخصت جوهر الإشكاليات الواجب تجاوزها لبناء دولة حديثة توازي في تطورها الدول الأوروبية، خاصةً مع اقتراب موعد استضافة حدث عالمي كبير في عام 2030.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة