بوشرى البوزياني/مكتب خنيفرة
شهدت مدينة خنيفرة، جوهرة الأطلس المتوسط، انطلاق فعاليات الدورة الجديدة من مهرجان أجدير إيزوران، الحدث الثقافي والفني الذي أصبح محطة سنوية ينتظرها عشاق الفن من داخل المغرب وخارجه. لم يكن حفل الافتتاح مجرد بداية لمهرجان، بل كان احتفاءً مهيبًا بحضور شخصيات رفيعة المستوى يتقدمها السيد عامل الإقليم محمد عادل أهوران، إلى جانب وفد رسمي يمثل السلطات المحلية ووجوه ثقافية وإعلامية وفنية مرموقة.
لم يعد المهرجان مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحول إلى ملتقى حضاري فريد، يجمع بين عبق الذاكرة الأمازيغية الأصيلة والانفتاح على مختلف الثقافات العالمية، مما يجعل من خنيفرة نقطة جذب حقيقية للتلاقح الثقافي والفني.
ليلة امتزجت فيها الأصالة بالعالمية
منذ الليلة الأولى، انغمس جمهور خنيفرة في رحلة موسيقية ساحرة، حيث كانت البداية مع سمفونية خاصة بأغاني الراحل محمد رويشة، رمز الأغنية الأطلسية. هذا العمل الفني المميز أعاد الحاضرين إلى زمن الأصالة، حيث امتزجت الموسيقى الكلاسيكية بروائع رويشة الخالدة، في لحظة مؤثرة ارتفعت فيها الزغاريد والتهليل.
ولم يكن الفن العالمي غائبًا عن المشهد، فقد أضفت فرقة الفلامينكو الإسبانية لمسة من الإبداع بلوحات راقصة أسرت الأبصار، بينما ألهبت الفرقة الإيفوارية حماس الجمهور بإيقاعاتها الأفريقية الساحرة، مما أحدث تفاعلاً كبيرًا بين الصغار والكبار. كما عانق فن أحيدوس التراثي فضاء المهرجان بصوته الجماعي وإيقاعاته الحماسية، ليؤكد على الهوية الأطلسية العميقة للمنطقة.
تكريم العطاء وبناء جسور المستقبل
تميّز المهرجان بلحظات من الوفاء والتقدير، حيث تم تكريم فنانين وإعلاميين تركوا بصمة واضحة في المشهد الثقافي. كان على رأس المكرمين الفنانة الشريفة كرسيت، اعترافًا بمسيرتها الفنية الطويلة وإسهامها في صون الأغنية الأمازيغية.
لكن اللحظة الأبرز كانت تكريم قيدوم الإعلاميين إدريس عزيم. في جو حماسي ودافئ، سلم السيد عامل الإقليم شهادة تقديرية لعزيم وسط تصفيقات حارة من الجمهور، في اعتراف مستحق بمسيرة إعلامية تجاوزت نصف قرن من العطاء، ساهم خلالها في توثيق تاريخ وذاكرة المنطقة.
لا يكتفي مهرجان أجدير إيزوران بالجانب الفني فقط، بل يفتح آفاقًا للنقاش الفكري عبر ندوات علمية يؤطرها باحثون وأكاديميون، لمقاربة قضايا الهوية والذاكرة، وإبراز دور الثقافة الأمازيغية كرافعة للتنمية المستدامة وإثراء المشهد الثقافي الوطني.
خنيفرة: جسر بين الثقافات
إن الأجواء التي جمعت بين الإيقاعات الأمازيغية الأصيلة، أنغام الفلامينكو الإسباني، وإيقاعات إفريقيا، تؤكد أن خنيفرة قادرة على أن تكون جسرًا حقيقيًا بين الثقافات. فالمهرجان لم يعد مجرد حدث محلي، بل صار نافذة يطل منها العالم على الهوية المغربية المتعددة والمتنوعة.
وقد أثبت الجمهور الذي توافد بكثافة من مختلف مدن المغرب ومن الجالية المقيمة بالخارج، أن هناك تعطشًا كبيرًا للفن الأصيل والفعاليات التي تعيد الاعتبار للموروث الثقافي المحلي. كما ساهم المهرجان في إنعاش الاقتصاد المحلي للمدينة من خلال الإقبال على الفنادق والمطاعم والأسواق التقليدية.
في الختام، يبرهن مهرجان أجدير إيزوران أنه ليس مجرد موعد فني، بل تجربة ثقافية متكاملة تستحضر عبق التاريخ، وتحتفي بالأصالة الأمازيغية، وفي الوقت نفسه تفتح ذراعيها لثقافات العالم. وبفضل تكريم الرواد، وإحياء التراث، وتقديم عروض عالمية، تتحول خنيفرة إلى عاصمة مصغرة للتنوع الفني والثقافي، ومنصة تحتفي بالذاكرة وتبني جسورًا للمستقبل.