صدر بتاريخ 13 غشت 2025 الظهير الشريف رقم 1.25.55، الذي ينفذ القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، ويمثل هذا الإصدار مرحلة مفصلية في تحديث المنظومة القضائية بالمغرب، ويأتي في سياق تعزيز حماية حقوق الإنسان ومواءمة التشريع الوطني مع المعايير الدولية في السياسة الجنائية.
ووفقا لما ورد في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 08 شتنبر 2025، يضع القانون الجديد مبدأ التوازن بين سلطة الدولة في العقاب وحقوق وحريات الأفراد في صدارة أولوياته، من خلال اعتماد مرتكزات أساسية مثل الضرورة، والتناسب، والشرعية، تهدف هذه المبادئ إلى ضمان فعالية الإجراءات الجنائية دون المساس بالحريات الأساسية للمواطنين.
وحسب ذات المصدر، أحد أبرز محاور القانون هو تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، بما يشمل حماية حقوق المتهمين والمشتبه فيهم وضمان احترام الدفاع وحقهم في الاستعانة بمحام، إلى جانب الالتزام بالمدة المعقولة للمحاكمات وتطبيق مبدأ قرينة البراءة ومجانية اتقاضي، وهذا الإطار يسعى لضمان العدالة وإنصاف جميع الأطراف ضمن مساطر شفافة وواضحة.
كما يقدم القانون آليات حديثة لتحديث إجراءات البحث والتحري، فالنيابة العامة وأجهزة العدالة أصبح بإمكانها متابعة الجرائم بكفاءة أكبر، مع احترام الضمانات القانونية، خاصة في حالات التلبس بالجريمة أو الجرائم ذات الخطورة العالية، بما يحقق التوازن بين فعالية العدالة وحماية الحقوق الفردية.
وحسب ذات المصدر، يولي القانون اهتماما كبيرا بتطوير العدالة التصالحية والعقوبات البديلة، بما يخفف الاكتظاظ في السجون وييسر إعادة إدماج المجرمين اجتماعيا، وتشمل هذه الآليات الوساطة والتحكيم والصلح، وهي إجراءات تتماشى مع التوجهات الحديثة للعدالة الجنائية، وتتيح حلولا أسرع وأكثر إنصافا.
وعلى المستوى الدولي، يلتزم القانون بالمعايير والاتفاقيات العالمية، مثل اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، واتفاقيات مكافحة الفساد والمخدرات، إضافة إلى التوصيات الصادرة عن هيئات حقوق الإنسان، وهذا يعكس حرص المغرب على تعزيز دوره الإقليمي والدولي في مكافحة الجريمة والتزامه بالمعايير الدولية.
ويعزز القانون استقلال القضاء المغربي، مؤكدا فصل السلطات وحماية السلطة القضائية من أي تدخل، مع وضع آليات لضمان العدالة وحقوق الدفاع، وتحقيق الإنصاف للضحايا والفئات المستضعفة، وهو ما يتماشى مع ما نص عليه الدستور المغربي لسنة 2011 من حماية للحقوق والحريات وضمان استقلال السلطة القضائية.
كما يولي القانون اهتماما خاصا بالأحداث، مع اعتماد مبادئ حمائية وتأهيلية تضمن مصلحتهم الفضلى، وتعيد دمجهم في المجتمع. وتشمل هذه الإجراءات إنشاء هيئات متخصصة للأطفال، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وضمان محاكمتهم في ظروف تتوافق مع الاتفاقيات الدولية والمواثيق المغربية ذات الصلة.
ويمثل القانون رقم 03.23 خطوة نوعية نحو تحديث السياسة الجنائية في المغرب، حيث يبدو من الوثيقة التقديمية له، أنه يوفر أدوات قانونية حديثة، يوازن بين حماية المجتمع وضمان حقوق الأفراد، ويؤسس لعدالة أكثر فعالية وإنسانية، في إطار احترام القانون وحماية حقوق الإنسان، مما يرسخ بناء دولة الحق والقانون.