ايوب مالك مكتب تونس
غادرت اليوم الاثنين آخر السفن الإسبانية المشاركة في “أسطول الصمود العالمي” من الميناء الترفيهي ببنزرت شمالي تونس، متجهةً نحو غزة. وتأتي هذه الخطوة لتنضم إلى أكثر من 20 سفينة أخرى انطلقت من الميناء نفسه، من بينها سفينتا “ألما” و”العائلة” اللتان تعرضتا سابقًا لاعتداءين بطائرات مسيرة في ميناء سيدي بوسعيد، يشتبه نشطاء أنها تابعة للاحتلال الإسرائيلي.
ومن ميناء “قمرت” بالعاصمة، أبحرت اليوم ثلاث سفن هي “ميا ميا”، و”ألكاتالا”، و”ماجيتا” التي تحمل اسم الشهيدة الفلسطينية الطفلة “هند رجب”. تُشكل هذه السفن جزءًا من القافلة المغاربية التي تضم 23 سفينة، مع ترقب إبحار المزيد منها.
كما انطلقت من ميناء سيدي بوسعيد مساء الأحد سفينة “علاء الدين” وعلى متنها نشطاء من جنسيات متعددة، وسط وداع جماهيري حاشد ملأ الميناء بقلوب مشدودة وعيون ترقب.
مشهد تاريخي من التضامن الشعبي
حضر المئات من التونسيين في هذه الموانئ، رافعين أعلام فلسطين وهاتفين بالنصر لغزة، مودّعين نشطاء الأسطول بمزيج من الأمل والقلق، وإدراكٍ منهم أن هذه المهمة محفوفة بالمخاطر في عرض البحر. امتزجت أهازيج وهتافات المحتشدين وأغاني المقاومة بزغاريد النساء، في مشهد تاريخي غير مسبوق عكس حجم التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية. وبينما كانت السفن تتوغل في البحر مبتعدة عن الشاطئ، كانت نظرات الأنصار تشيعها، وكأنها قافلة تتجه إلى معركة.
“مضطرون للتحرك”
من بين المتطوعين في سفينة “علاء الدين”، برز اسم محسن السويسي، البحّار الستيني من محافظة نابل شمالي تونس. التحق السويسي بالرحلة بصفته ربانًا لإحدى سفن الأسطول المغاربي لكسر الحصار، الذي يبحر ضمن الأسطول العالمي المكون من نحو 50 سفينة.
قرر السويسي، وهو صاحب شركة خاصة في صيانة السفن، أن يضع خبرته التي تزيد عن 4 عقود في خدمة هذا التحرك الإنساني.
وقال لـ”صحافة” إنه ترك خلفه زوجته وأبناءه وشركته، غير عابئ إلا بالمشاركة في دعم القضية الفلسطينية. وأضاف: “ما أشاهده يوميًا من دمار وقتل عبر شاشة التلفزيون أو في الهاتف، يجعلني أشعر أنني مضطر للتحرك وفعل أي شيء لدعم إخوتنا في غزة”. وأشار إلى أن الرحلة تتطلب تنظيمًا محكمًا، وهو ما تحقق بفضل التعاون الدولي، مؤكدًا أن الأسطول الذي يضم مئات النشطاء من 44 دولة “قادر على الوصول بسلام إلى المياه الإقليمية قبالة قطاع غزة بفضل كل التحضيرات الجيدة”.
تحدي المخاطر بعزيمة
بدت علامات الفرح على وجه الشاب الماليزي موسى داتو (31 عامًا)، المشارك في الرحلة على متن سفينة “علاء الدين”. ترك موسى زوجته الحامل وابنه الصغير في ماليزيا للمشاركة في هذه الرحلة، غير مهتم بما قد يواجهه من مخاطر في البحر أو من “قصف صهيوني”، ويقول لـ”صحافة”: “ما قد نواجهه في البحر لا يضاهي شيئًا مما يحصل في غزة”.
بدورها، حزمت الناشطة الفرنسية من جذور مغاربية إلهام موفق حاتيلد أمتعتها قبل الصعود على متن السفينة، قائلةً لـ”صحافة”: “نحن نترقب هذا اليوم بفارغ الصبر لنبحر باتجاه غزة، ولن نبقى مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث هناك”. وأكدت أن التضامن الإنساني لا يعرف التراجع أمام القصف، مشيرةً إلى أنه لا يمكن كسر عزيمة شعوب العالم إذا اتحدت في وجه الظلم.
كما انضم الشاب الليبي صهيب تنتوش، خريج كلية القانون ورسام مقيم في لندن، إلى الرحلة. وقبل الصعود على متن سفينة “علاء الدين”، خضع لتدريبات مكثفة حول الإبحار وضبط النفس خلال مواجهة أي محاولة اعتراض من قوات الاحتلال. وقال لـ”صحافة”: “تلقينا تكوينًا شاملًا حول الإبحار وكيفية التصرف عند أي اعتراض، ونحن الآن على أهبة الاستعداد للانطلاق، عازمين على مواصلة مهمتنا رغم كل المخاطر”.
احتمالات الاعتراض لا تثني العزيمة
قال نبيل الشنوفي، عضو الهيئة التسييرية لأسطول الصمود المغاربي، لـ”صحافة” إن “احتمالات اعتراض الأسطول من قبل البحرية الإسرائيلية واردة، وربما يشمل ذلك قصف بعض السفن في محاولة لثنيها عن التقدم”. لكنه أكد أن “الاعتراض المباشر للأسطول سيكون عملية تقنية صعبة” نظرًا لضخامة الأسطول الذي يضم سفنًا قادمة من عدة موانئ أوروبية وآسيوية.
بدوره، أوضح وائل نوار، عضو الهيئة التسييرية لأسطول الصمود العالمي، لـ”صحافة” أن “هناك إمكانية لاعتراض بعض السفن من قبل القوات الإسرائيلية وإمكانية أسر طواقمها في البحر”، مشددًا على أن هذا الاحتمال وارد. وأضاف أن عملية الاعتراض ستكون معقدة بسبب ضخامة الأسطول، وقد يلجأ الاحتلال إلى قصف بعض السفن كوسيلة لتخويف البقية، لكنه أكد أن ذلك لن يثنيهم عن مواصلة رحلتهم نحو غزة، مؤكدًا عزيمة الجميع على الصمود وتحقيق الهدف الإنساني من المهمة مهما بلغت المخاطر.
من المتوقع أن تصل السفن إلى المياه الإقليمية قبالة قطاع غزة خلال نحو 10 أيام، ما لم تواجهها أحوال جوية سيئة.