في ظل صدى الاحتجاجات المتصاعدة حول أزمة قطاع الصحة في المغرب، تشهد الساحة السياسية حالة من الغياب والتخفّي المريب لأغلب الفاعلين السياسيين. وبينما تتفاقم الهموم المعيشية وتطغى قضايا الحياة اليومية للمواطنين على الواجهة، يظهر أن للأحزاب السياسية أجندة مختلفة تمامًا؛ أجندة عنوانها التحضير الصامت للانتخابات التشريعية القادمة في عام 2026.
دموع “الاستعطاف” في زمن الأزمات
اللافت للنظر والمثير للجدل، هو عودة بعض قيادات المعارضة للظهور في تجمعات حزبية، لكن بأسلوب لم يخلُ من الاستعراض العاطفي. إذ تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا وتسجيلات تظهر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد والزين، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، وهما يستخدمان “سلاح الدموع” خلال مهرجانات خطابية.
ربط متتبعون هذا الظهور “الباكي” بـحملة انتخابية سابقة لأوانها، تهدف إلى استعطاف الناخبين وتعبئة القواعد الحزبية، في الوقت الذي كان يُنتظر منهم الانخراط الفعلي في النقاشات الوطنية حول الأزمات الحيوية التي تعصف بقطاعات الصحة والمعيشة.
صمتٌ مطبق وغيابٌ “مُتعمَّد”
الأحداث والوقائع التي مست الحياة اليومية للمغاربة خلال الأشهر الماضية لم تستطع أن تكسر صمت الأحزاب السياسية. ففي الوقت الذي كان المواطنون يتطلعون إلى مبادرات لـفتح نقاش وطني حول الأزمات، اكتفت القيادات الحزبية بالانكفاء على الشأن الداخلي؛ ما بين التحضير للانتخابات، وتجديد الفروع الإقليمية، والانشغال باجتماعات قوانين الانتخابات مع وزارة الداخلية.
هذا الغياب التام للأحزاب عن صلب هموم المواطنين يُعيد إلى الواجهة نتائج تقرير “الأحزاب السياسية المغربية وأزمة المصداقية” الصادر عن المركز المغربي للمواطنة، الذي أكد أن الأحزاب تتصدر قائمة المؤسسات التي تعاني من أزمة ثقة حادة لدى المواطنين.
في الوقت الذي يحتاج فيه المشهد السياسي إلى قيادات تقدم حلولًا وتفتح حوارًا حول القضايا الملحة، يبدو أن التركيز الكلي مُنصب على “كسب” المقاعد في 2026. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل أصبحت المصالح الانتخابية أهم من مصالح المواطنين؟ وهل نجحت الأحزاب في تعميق أزمة ثقتها بفعل هذا الانفصال الواضح عن الواقع؟