في خضم الموجة الاحتجاجية التي يشهدها عدد من المدن لليوم الرابع على التوالي، والتي يتقدمها جيل الشباب المعروف بـ “جيل Z”، برزت مدينة فاس كنموذج مضيء، حيث قدمت مسيرتها الحاشدة درسًا في التعامل الحضاري، سواء من طرف شبابها المطالبين بحقوقهم أو من لدن رجال الأمن الساهرين على النظام العام.
لقد تابع الرأي العام، خاصة عبر البث المباشر لـ”فايس بريس”، مسيرة حاشدة جابت أحياء عاصمة الإدريسيين. والمُلفت للنظر هو أن هذه التجمعات الشبابية، المطالبة بتحسين ظروف التعليم، والصحة، والشغل، سارت دون تدخل أمني أو تطويق، في مشهد يؤكد النضج الكبير الذي يميز الحراك الشبابي بالمدينة، والمهنية العالية التي أبان عنها الجهاز الأمني.
إشادة مستحقة لرجال الأمن: الحكمة في التعامل مع جيل “Z”
يجب التوقف عند الأداء الاستثنائي لرجال الأمن بمدينة فاس. ففي الوقت الذي شهدت فيه أيام الاحتجاجات الماضية في مدن أخرى حملة اعتقالات وتقديم محتجين أمام المحكمة، اختار الأمن بفاس طريق الاحترام المتبادل وفسح المجال للتعبير السلمي. لقد أدرك رجال الأمن، على ما يبدو، أن التعامل مع جيل “Z”، هذا الجيل الواعي بحقوقه والمستخدم ببراعة لوسائل التواصل، يتطلب حكمة ومرونة بدلًا من التضييق والمواجهة.
هذا التعامل الأمني الواعي لم يكن مجرد غض طرف، بل هو قرار استراتيجي يُرسخ الثقة بين المواطن، خاصة الشباب، وبين مؤسسات الدولة. إن عدم تسجيل أي شغب أو تدخل أمني في مسيرة حاشدة هو خير دليل على أن سياسة الإنصات والتفهم، التي تحدثت عنها الأغلبية الحكومية مؤخرًا، قد وجدت تطبيقها العملي في شوارع فاس، بفضل حنكة ويقظة مسؤوليها الأمنيين.
شباب فاس: سفراء رسالة “جيل Z” الحضارية
في المقابل، تستحق شباب مدينة فاس كل الإشادة والتقدير. لقد أثبتوا أن المطالبة بالحقوق، مهما كانت حدتها وشرعيتها، يمكن أن تتم في إطار سلمي وحضاري خالٍ من أي أعمال شغب أو تخريب. المسيرة التي جرت دون منع أو تطويق، تحولت بفضل وعيهم إلى منبر للتعبير المسؤول، حيث حملوا رسالتهم المتعلقة بـ “التعليم والصحة والشغل” بكل قوة لكن دون تجاوز الخطوط الحمراء.
لقد بعث هؤلاء الشباب برسالة واضحة مفادها أنهم شركاء حقيقيون في بناء مستقبل مدينتهم ووطنهم، وأن احتجاجاتهم نابعة من إحساس عميق بالمسؤولية والرغبة في الإصلاح. هذا السلوك يمثل صفعة قوية لكل من يحاول شيطنة الحراك الشبابي أو وصفه بالعشوائية أو الفوضى.
لقد أعلنت فاس، اليوم، أنها ليست مجرد مدينة تحتضن الاحتجاجات، بل هي مدرسة تُعلّم فنون التعامل الراقي في لحظات الغضب الشعبي؛ مدرسة تخرج منها شباب واعون بأهمية السلمية، واستلهم منها رجال الأمن الحكمة في تطبيق القانون.
هذه اللحظة التاريخية تُسجل نقطة ضوء فارقة في المشهد العام، وتؤكد أن الحوار المفتوح والتجاوب الآني هما مفتاح تجاوز الأزمات وبناء مغرب يثق فيه جيل “Z” بمستقبله ومؤسساته.