شهدت منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة “فيسبوك”، تحولاً مقلقاً في الآونة الأخيرة، حيث تزايدت ظاهرة “التسول الإلكتروني” التي تتخذ من التعاطف الإنساني ستاراً لعمليات احتيال منظمة. الأخطر من ذلك، هو التطور النوعي لهذه الظاهرة، إذ لم تعد تقتصر على استجداء المال فحسب، بل تحولت إلى منصة خطيرة للابتزاز الجنسي، مستغلةً الصور الجذابة والحسابات الوهمية للإيقاع بالضحايا. “فايس بريس” تفتح ملف هذه الظاهرة المركبة التي أدت إلى تقديم العديد من الشكايات للسلطات المعنية.
الوجه الأول: عندما يتنكر الاحتيال في ثوب الإنسانية
تبدأ العملية في أغلب الأحيان بخطوة بسيطة ومدروسة: يرسل حساب يحمل صورة “شابة جميلة” طلب صداقة (دعوة) لمستخدم “فيسبوك”. وبغض النظر عن خلفيات قبول هذا الطلب، يبدأ التواصل برسالة ودية وعادية كـ “السلام عليكم”.
بعد كسر حاجز الحديث، تنتقل المحادثة مباشرة إلى جوهر الموضوع: التسول الإلكتروني. تتفنن هذه الحسابات (التي قد يديرها أشخاص أو شبكات منظمة) في سرد القصص المؤثرة لاستدرار العطف المادي. وتتركز الأعذار
المتداولة على نوعين رئيسيين:
– المرض والعلاج: ادعاء أن الأم أو أحد الأقارب بحاجة ماسة لإجراء عملية جراحية عاجلة تتطلب مبلغاً مالياً، مستغلين غريزة المساعدة المتأصلة لدى كثيرين.
– الفقر والعوز: ادعاء أن المتحدثة “مطلقة” أو أرملة، وتعاني من ظروف معيشية قاسية، وأن أبناءها لا يجدون “لقمة العيش أو العشاء”، بل ويصل الأمر إلى استجداء ثمن “حفاضات (ليكوش)”.
وفي كلتا الحالتين، يكون الهدف هو الحصول على تحويلات مالية بسيطة لكن متكررة، عبر وسائل الدفع الإلكتروني أو رصيد الهاتف.
الوجه الثاني: الانزلاق إلى مستنقع الابتزاز..
الكاميرا سلاح الجريمة
تأخذ الظاهرة بعداً أكثر سواداً عندما تتجاوز مرحلة التسول المباشر وتدخل إلى فخ الابتزاز الإلكتروني. هنا يظهر سيناريو آخر، غالباً ما يستخدم صورة الفتاة الجميلة نفسها، لكن مع خطاب ديني أو اجتماعي مختلف.
تدعي هذه الحسابات أنها لفتاة “مسلمة تعيش في أوروبا” أو دولة أجنبية، وتبدأ محادثات “بريئة” قبل أن تطلب رقم “الواتساب” للانتقال إلى محادثة بالصوت والصورة.
هنا يكمن بيت القصيد والشرك الأخطر: تشترط المحتالة على الضحية أن يكون “في البيت ولوحده” لإجراء المكالمة المرئية. يتم استغلال هذا الموقف لتصوير الضحية، أو استدراجه للانكشاف أو القيام بتصرفات خاصة، ثم يتم تسجيل كل شيء خلسة.
بعد انتهاء المكالمة، يتحول التواصل إلى تهديد صريح: دفع مبالغ مالية ضخمة مقابل عدم نشر الصور ومقاطع الفيديو المسجلة لأفراد عائلة الضحية وأصدقائه على وسائل التواصل الاجتماعي.
شكايات الضحايا: دليل على خطورة الظاهرة
أكدت مصادر مطلعة أن السلطات المعنية بمكافحة الجرائم الإلكترونية تلقت العديد من الشكايات من أشخاص وقعوا ضحية هذا النوع المزدوج من الاحتيال والابتزاز. هذه الشكايات تؤكد أن ما يبدو تسولاً بسيطاً هو في الحقيقة واجهة لعمليات إجرامية معقدة تستهدف خصوصية الأفراد وأموالهم.
إن التسول الإلكتروني الذي يتحول إلى ابتزاز جنسي يمثل تحدياً أمنياً واجتماعياً حقيقياً. يجب على المستخدمين تبني “يقظة رقمية” عالية، والتشكيك في أي حساب غريب يطلب المساعدة المالية أو يصر على إجراء محادثات خاصة بشروط مريبة. الأمن الرقمي يبدأ بالوعي والحذر قبل قبول طلب صداقة أو الرد على رسالة.




