أقر المجلس الوزاري الأخير برئاسة الملك محمد السادس مشروع القانون التنظيمي الجديد المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، وهو النص الذي أعدّته وزارة الداخلية ويتضمن مقتضيات زجرية غير مسبوقة تستهدف ضبط استعمال الوسائل الرقمية والتكنولوجية في العمليات الانتخابية، بما يعزز من شفافية الاستحقاقات المقبلة ويحد من التلاعبات التي قد تمسّ نزاهتها.
ويُعد هذا المشروع خطوة نوعية في مسار تحديث الترسانة القانونية المنظمة للانتخابات، إذ نصّ صراحة على عقوبات حبسية تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، وغرامات مالية تتراوح بين 20 ألفاً و50 ألف درهم، لكل شخص يتورط في نشر أو توزيع إعلانات أو منشورات انتخابية، سواء بشكل مباشر أو عبر أي وسيلة رقمية، من قبيل شبكات التواصل الاجتماعي، أو منصات البث المفتوح، أو أدوات الذكاء الاصطناعي، أو أي منصة إلكترونية أخرى.
وحرص المشروع على تشديد العقوبات في حال صدور هذه الأفعال عن موظف عمومي أو مأمور من الإدارة أو الجماعات الترابية أثناء مزاولة مهامه، حيث تُرفع العقوبة إلى الحبس من ستة أشهر إلى سنة، وغرامة مالية تتراوح بين 50 ألفاً و100 ألف درهم، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة وضمان حياد الإدارة عن العملية الانتخابية.
كما يفرض المشروع عقوبات مالية مهمة على من يلجأ إلى نشر إعلانات انتخابية مؤدى عنها على منصات أجنبية، بغرامة تتراوح بين 50 ألفاً و100 ألف درهم، فيما يُغرَّم المترشح الذي يخالف مقتضيات المادة 35 من القانون التنظيمي بنفس المبلغ، ويعاقَب صاحب المطبعة الذي يشارك في هذه المخالفات بغرامة تصل إلى 300 ألف درهم.
وتشمل المقتضيات الجديدة أيضاً تجريم نشر إعلانات تخص لوائح أو مترشحين غير مسجلين، حيث يعاقب مرتكب هذا الفعل بالحبس من ثلاثة إلى ستة أشهر وغرامة مالية تتراوح بين 50 ألفاً و100 ألف درهم، مع رفع العقوبة في حال ارتكابها من طرف موظف عمومي أو مأمور إداري.
ولم تغفل وزارة الداخلية في إعداد هذا المشروع الجوانب التنظيمية المرتبطة بسير عملية التصويت، إذ نص القانون على معاقبة كل من يصوّت أكثر من مرة أو يفقد حقه في التصويت ثم يشارك في العملية، إضافة إلى منع حمل الأسلحة أو الأدوات الخطرة داخل مراكز وقاعات التصويت، وهي أفعال يعاقب عليها المشروع بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات، وغرامات مالية متفاوتة حسب خطورة المخالفة.
ويأتي هذا التشديد القانوني في سياق وطني ودولي يتّسم بتزايد تأثير الوسائط الرقمية والذكاء الاصطناعي في توجيه الرأي العام والتأثير على الناخبين، ما دفع المشرّع المغربي إلى وضع إطار قانوني رادع يواكب التطورات التقنية ويحمي المسار الديمقراطي من أي اختراق أو توظيف غير مشروع.
ويؤكد المراقبون أن هذه الخطوة تمثل تحولاً نوعياً في الثقافة الانتخابية المغربية، إذ لا تكتفي بتنظيم الحملات التقليدية الميدانية، بل تمتد إلى ضبط الفضاء الرقمي الذي أصبح اليوم أحد أهم ميادين التنافس السياسي، بما يضمن تكافؤ الفرص بين المترشحين ويحافظ على مصداقية العملية الانتخابية.




