كشفت معطيات رسمية محينة عن استمرار المسار التنازلي لعجز الميزانية في المغرب، متوقعة أن يبلغ 3.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام (GDP) نهاية السنة الجارية 2025، مسجلاً تحسناً بنحو 0.3 نقطة مئوية مقارنة بعام 2024. وفي الوقت ذاته، يُتوقع أن يظل مستوى مديونية الخزينة “شبه مستقر” عند حوالي 67 في المائة من الناتج الداخلي الخام بنهاية 2025.
جاءت هذه التوقعات الإيجابية ضمن “آخر التوقعات المحيَّنة” التي قدمها فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، في جواب كتابي على سؤال برلماني حول “آفاق التقليص من عجز الميزانية“.
وتذهب التوقعات الحكومية إلى ما هو أبعد، حيث تتوقع الوزارة المكلفة بالميزانية أن يبلغ عجز الميزانية نسبة 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام على المدى المتوسط برسم الفترة 2026-2028. أما فيما يخص المديونية، فمن المرتقب أن يصل مستواها إلى أقل من 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام ابتداء من سنة 2027.
وأوضح لقجع أن عجز الميزانية يظل “معطى هيكليا” في معظم الاقتصادات الصاعدة، كونه يعكس الجهود التنموية؛ لكنه شدد على أن ما يميز المالية العمومية المغربية هو “قدرتها على الصمود والتكيف مع الأزمات” رغم توالي الصدمات الخارجية والداخلية، من جائحة “كوفيد-19” إلى الاضطرابات الجيوسياسية وموجات التضخم.
منحنى تنازلي ملموس في الأرقام
أكد لقجع أن المقاربة المعتمدة في تدبير المالية العمومية قد أتت أُكلها، حيث اتخذ عجز الميزانية “منحى تنازليا ملحوظا”؛ إذ تراجع من 7.1 في المائة سنة 2020 إلى 3.8 في المائة عند نهاية سنة 2024.
هذا التوجه انعكس إيجاباً على وتيرة تطور معدل المديونية، الذي انخفض من 72.2 في المائة سنة 2020 ليصل إلى 67.7 في المائة سنة 2024.
المداخيل العادية محرك الأداء الجيد
عزا المسؤول الحكومي تحقيق هذه النتائج إلى “التطور الكبير الذي سجلته المداخيل العادية”، والتي عرفت انتعاشاً ملحوظاً خلال الفترة 2021–2024، مسجلة زيادة فاقت 143 مليار درهم. ويعكس هذا الأداء الجيد معدل نمو سنوي متوسط بنسبة 13%، مدفوعاً بالدينامية الإيجابية لتحصيل المداخيل الجبائية التي ارتفعت بـ 101 مليار درهم، أي بـ +51% خلال الفترة ذاتها. ويعود الفضل في ذلك إلى انتعاش النشاط الاقتصادي وآثار إصلاح المنظومة الجبائية.
استراتيجية متكاملة لتعزيز متانة المالية العمومية
وفي سياق استعراضه لاستراتيجية الحكومة، أشار لقجع إلى العمل على بلورة وتنفيذ استراتيجية مالية متكاملة وواضحة المعالم تهدف إلى:
- التحكم التدريجي والمستدام في عجز الميزانية.
- ضبط وتيرة تطور المديونية العمومية.
- تعزيز متانة واستدامة المالية العمومية.
وتتضمن هذه الاستراتيجية “حزمة من التدابير المترابطة” تشمل:
- تعزيز تعبئة الموارد الجبائية عبر توسيع الوعاء ومحاربة الغش والتهرب، وتحسين مردودية النظام الجبائي.
- ترشيد وتوجيه النفقات العمومية نحو الأولويات الوطنية، لا سيما برامج الدولة الاجتماعية مثل تعميم الحماية الاجتماعية وإصلاح منظومتي الصحة والتعليم.
- تسريع الانتقال نحو النموذج التنموي الجديد لضمان نموذج اقتصادي أكثر شمولاً واستدامة، وقادر على تحفيز الاستثمار وخلق فرص الشغل.
واختتم الوزير جوابه بالتأكيد على أن التحكم في عجز الميزانية “ليس غاية في حد ذاتها؛ بل هو رافعة” لتحقيق التوازن الماكرو اقتصادي، والضامن للاستمرارية في تمويل الأوراش الإصلاحية الكبرى التي أطلقتها الحكومة بتوجيهات ملكية، والتي يأتي في مقدمتها دعم الحماية الاجتماعية وإصلاح الصحة والتعليم، وتحفيز الاستثمار الخاص.




