شهد المشهد الرقمي المغربي في السنوات الأخيرة تضخمًا ملحوظًا لظاهرة “المؤثرين” على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي ظاهرة لا تخلو من إيجابيات، لكنها باتت تشكل في جانب منها خطرًا حقيقيًا على السلم الاجتماعي والقيم العامة، حيث تحولت مساحات افتراضية واسعة إلى ساحات للسب والقذف والتشهير والإخلال بالحياء العام، في سباق محموم نحو المشاهدات والربح المادي، وكأن هؤلاء المؤثرين يقفون “بين المطرقة والسندان“؛ مطرقة المحتوى الرديء والسندان القانوني الذي بدأ يتحرك بصرامة.
البعد الاجتماعي: الانحدار القيمي واستهلاك التفاهة
إن انتشار المحتوى الذي يعتمد على الكلام النابي، وفضح الخصوصيات، والتهجم الشخصي، يعكس تحولًا اجتماعيًا مقلقًا. وفي هذا الصدد، يؤكد أستاذ جامعي في علم الاجتماع (جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس) أن:
“هذه الظاهرة ليست مجرد سلوك فردي، بل هي مرآة لتغير في أنماط الاستهلاك الإعلامي، حيث يجد قطاع من الجمهور متعة في متابعة المحتوى المثير والسلبي، مما يشجع المؤثرين على تجاوز الخطوط الحمراء الأخلاقية والاجتماعية لضمان التفاعل العالي. لقد أصبحنا أمام أزمة قيم حقيقية تهدد الذوق العام، وتغذي بيئة الكراهية والتعصب على حد تعبيره.”
ويرجع الأستاذ هذه الظاهرة إلى غياب الوعي الرقمي الكافي وتأثير الرغبة في الثراء السريع دون تقديم محتوى ذي قيمة.
البعد القانوني: بين حرية التعبير وحماية الأفراد
على الصعيد القانوني، فإن أفعال السب والقذف والتشهير والمس بالحياة الخاصة ليست أفعالًا عادية، بل هي جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي بصرامة.
يوضح أستاذ في القانون بالجامعة (جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس) أن:
* القانون الجنائي المغربي، وخاصة في فصوله المتعلقة بالتشهير والسب والقذف، يشدد العقوبات عند ارتكاب هذه الجرائم بالوسائل الإلكترونية نظرًا لتوسع تأثيرها وسرعة انتشارها.
* تنص المادة 447-1 من القانون الجنائي على عقوبة الحبس والغرامة لكل من نشر أو وزع أخبارًا أو تصريحات كاذبة تمس بسمعة الآخرين أو حياتهم الخاصة.
* كما أن الإخلال العلني بالحياء هو جريمة مستقلة، ويتعامل القضاء مع هذه الممارسات دون تساهل، معتبرًا أن حرية التعبير تقف عند حدود المساس بحقوق وحريات وكرامة الأفراد.
دور القضاء والمحاماة: السد المنيع ضد الانفلات الرقمي
في خضم هذا الانفلات، يبرز دور القضاء والمحامين كسد منيع لحماية المجتمع. ويشير محامٍ بمدينة فاس إلى أن:
“هناك تزايدًا في الشكايات المرفوعة ضد المؤثرين بتهم المس بالحياة الخاصة والتشهير. لقد أثبت القضاء المغربي حزمه وصرامته في معالجة هذه الملفات، وأصدر أحكامًا بالحبس النافذ والغرامات المالية في حق عدد من المؤثرين الذين تجاوزوا القانون (في إشارة إلى قضايا متابعة مؤثرين بارزين). وهذا يؤكد أن المنصات الرقمية ليست فوق القانون، وأن التعويض عن الأضرار المعنوية والمادية هو حق لكل متضرر.”
إن سلسلة الاعتقالات والمتابعات القضائية الأخيرة التي طالت مؤثرين بارزين في المغرب هي رسالة واضحة مفادها أن زمن الإفلات من العقاب قد ولى، وأن صناعة المحتوى يجب أن ترتكز على المسؤولية الأخلاقية والقانونية.
الخلاصة: إن ظاهرة المؤثرين في المغرب هي نموذج للتحدي الذي يواجه المجتمعات في العصر الرقمي، حيث يتطلب الأمر تضافر الجهود الاجتماعية والقانونية لمكافحة محتوى التفاهة والتحريض، ولضمان أن يكون الفضاء الرقمي مساحة للإبداع البناء لا للتشهير والتخريب.




