في قلب جبال مقدمة الريف، حيث يمتزج عبق التاريخ بصهيل الجياد، تستعد مدينة تيسة (إقليم تاونات) لتجديد عهدها الأزلي مع فن “التبوريدة”. هذه المدينة التي لا يُذكر اسمها إلا واقترن بالخيل والبارود، تتحضر لاحتضان النسخة الخامسة والثلاثين من مهرجانها السنوي العريق، في حدث يعد الأبرز ثقافياً وسياحياً بالمنطقة.
تيسة.. “أم الخيل” ومعقل البارود قبل الخوض في تفاصيل الحدث المرتقب، لا بد من الوقوف عند رمزية المكان. تُعرف جماعة تيسة تاريخياً بلقب “أم الخيل”، وهي حاضرة قبائل “الحياينة” التي اشتهرت عبر العصور بفرسانها الشجعان وخيولها العربية البربرية الأصيلة.
لا تعتبر الفروسية في تيسة مجرد هواية أو طقس احتفالي عابر، بل هي مكون جيني في هوية المنطقة. فتربية الخيول هنا إرث تتوارثه الأجيال “كابراً عن كابر”، وتعتبر المنطقة خزاناً وطنياً هاماً لأجود سلالات الخيول، مما جعل مهرجانها يصنف ضمن أعرق المهرجانات الوطنية، ومحطة محورية لاختبار مهارات “السربات” وقدرتها على الانضباط والتناسق.
و تترقب الجماهير وعشاق التراث انطلاق فعاليات الدورة الخامسة والثلاثين لمهرجان الفروسية، التي تنظمها جمعية الوفاق للفروسية والتنمية بشراكة استراتيجية مع جماعة تيسة. وقد ضُرب موعد لهذا العرس الثقافي في الفترة الممتدة ما بين 10 و14 دجنبر 2025، بساحة المهرجان الكبرى.
وقد اختار المنظمون لهذه الدورة شعاراً يحمل دلالات عميقة: “التبوريدة، اعتزاز متجدد وتراث متفرد”، وهو شعار يجسد الرغبة في الحفاظ على هذا الموروث اللامادي الذي صنفته اليونسكو تراثاً عالمياً، مع ضخه بدماء جديدة تضمن استمراريته.
على مدار خمسة أيام، ستتحول تيسة إلى قبلة للزوار من مختلف ربوع المملكة، حيث يتضمن البرنامج:
- عروض التبوريدة الكبرى: مشاركة واسعة لألمع “السربات” والفرق التقليدية القادمة من مختلف الجهات، مما يعد بمنافسة قوية وعروض تحبس الأنفاس تعكس دقة “الطلقة” وجمالية “الهدة”.
- الدينامية التنموية: لن يقتصر المهرجان على الجانب الفرجوي، بل سيعمل كرافعة للتنمية المحلية من خلال أنشطة موازية تهدف للتعريف بالمؤهلات المجالية للمنطقة.
- شراكات استراتيجية: سيشهد الحدث حضوراً وازناً لشركاء مؤسساتيين وفاعلين جمعويين، لتعزيز تبادل الخبرات وفتح آفاق جديدة للاستثمار في المجال الثقافي والسياحي القروي.
إن مهرجان تيسة للفروسية ليس مجرد احتفال سنوي، بل هو تجديد للبيعة مع الأرض والتاريخ، وتأكيد على أن “التبوريدة” ستظل الحصن المنيع الذي يحفظ الذاكرة المغربية الأصيلة.




