مناورات “الأسد الإفريقي” تعكس عمق الشراكة العسكرية المغربية الأمريكية

هيئة التحرير11 مايو 2025آخر تحديث :
مناورات “الأسد الإفريقي” تعكس عمق الشراكة العسكرية المغربية الأمريكية

يشكل التعاون العسكري المغربي-الأمريكي أحد أبرز تجليات الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين الرباط وواشنطن، ويأتي تنظيم مناورات “الأسد الإفريقي” سنويًا ليكرّس هذا التعاون ويمنحه أبعادًا جديدة، سواء على المستوى العملياتي أو الرمزي أو الجيوسياسي. فهذه المناورات التي تُعدّ من بين الأكبر في القارة الإفريقية، لا تقتصر على الجوانب التقنية واللوجستية المرتبطة بتدريب الجيوش، بل تتجاوزها لتعكس تقاربًا سياسيًا وأمنيًا يعكس مصالح مشتركة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

لقد اكتسبت مناورات “الأسد الإفريقي”، التي يشارك فيها عدد متزايد من الدول الإفريقية والغربية، بعدًا استراتيجيًا متجددًا في ظل التحولات الجيوسياسية التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء، وتصاعد التهديدات المرتبطة بالإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية. وفي هذا السياق، يُنظر إلى المغرب كفاعل إقليمي يتمتع بالاستقرار وبقدرات عسكرية متقدمة، مما يجعله شريكًا موثوقًا في حفظ الأمن الإقليمي. كما أن احتضان التراب المغربي، وخاصة مناطق جنوب المملكة، لهذه المناورات يعكس اعترافًا ضمنيًا بمركزية المغرب في محيطه الإفريقي، وبدوره في تعزيز الأمن الجماعي بمنطقة شمال إفريقيا والساحل.

من جانب آخر، يُعدّ التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة ركيزة من ركائز تحديث الجيش المغربي، سواء من خلال التكوين المشترك، أو عبر اقتناء معدات عسكرية متطورة، أو من خلال الانخراط في تمارين ميدانية عالية الدقة تحاكي سيناريوهات قتالية متعددة، بما في ذلك مكافحة التهديدات غير المتناظرة. ويُسهم هذا التعاون في الرفع من جاهزية القوات المسلحة الملكية وتوسيع قدراتها العملياتية، مما يعزز استقلالية القرار العسكري المغربي وقدرته على التدخل الفعال في محيطه الإقليمي.

ولا تنفصل هذه الدينامية العسكرية عن الرهانات الجيوسياسية الأوسع، إذ تعكس استمرار دعم الولايات المتحدة للمغرب كحليف استراتيجي خارج حلف الناتو، بما يحمله ذلك من دلالات على مستوى التوازنات الإقليمية، خاصة في ظل التوترات المستمرة مع بعض القوى الإقليمية المنافسة، وتنامي أدوار الفاعلين غير الحكوميين في مناطق التوتر. كما تندرج هذه العلاقة العسكرية ضمن رؤية أمريكية أشمل تروم تعزيز تواجدها في إفريقيا عبر دعم الحلفاء الموثوقين، وتطويق النفوذ الروسي والصيني المتنامي في القارة.

بالمقابل، لا يغيب عن المتابع أن هذه الشراكة تخضع في بعض جوانبها لإكراهات السياق الدولي وتقلبات السياسة الأمريكية. إلا أن الثبات النسبي الذي يطبع التعاون العسكري بين البلدين، سواء في فترات التوتر أو التقارب، يدل على وجود مصالح استراتيجية متبادلة تتجاوز الاعتبارات الظرفية، وتؤسس لتعاون ممتد وقابل للتطور في اتجاهات متعددة، تشمل الأمن السيبراني، ومكافحة التهديدات غير التقليدية، وتعزيز القدرات اللوجستية والإنسانية في أوقات الأزمات.

من هذا المنطلق، لا يمكن فهم مناورات “الأسد الإفريقي” باعتبارها مجرد تمرين عسكري دوري، بل كأداة دبلوماسية وعسكرية تُسهم في تكريس مكانة المغرب كفاعل مركزي في المنظومة الأمنية الإقليمية، وفي تجسيد رؤيته القائمة على الشراكات المتوازنة والتعاون جنوب-جنوب، دون التفريط في تحالفاته التقليدية. وتبقى هذه الدينامية مرشحة للتعزز، خاصة في ظل ما تتيحه من فرص لتقوية العلاقات البينية الإفريقية، ولإعادة صياغة الترتيبات الأمنية انطلاقًا من الأرض الإفريقية، وبقيادة فاعلين ينتمون إليها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة