لطالما شكلت الجالية المغربية المقيمة بالخارج رافداً حيوياً للاقتصاد الوطني المغربي وسنداً قوياً لمسيرة التنمية الشاملة في البلاد. فهم ليسوا مجرد أرقام في إحصائيات التحويلات المالية، بل هم سفراء للمغرب في أصقاع العالم، يحملون في قلوبهم حباً لا يتزعزع لوطنهم الأم، ويترجمون هذا الحب إلى مساهمات جبارة تمس مختلف أوجه الحياة في المغرب.
مساهمات اقتصادية واجتماعية لا تُخطئها عين
تُعد التحويلات المالية للمغاربة المقيمين بالخارج شرياناً رئيسياً للاقتصاد المغربي، حيث تساهم بشكل كبير في احتياطي العملة الصعبة وتحقيق التوازن المالي. ففي عام 2023، بلغت هذه التحويلات رقماً قياسياً جديداً وصل إلى 115 مليار درهم، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع لتصل إلى 117.5 مليار درهم. هذه الأموال لا تقتصر أهميتها على دعم الأسر وتلبية احتياجاتها الأساسية، بل تمتد لتشمل الاستثمار في مشاريع تنموية متنوعة، خاصة في قطاع العقار الذي يستقطب نسبة هامة من استثماراتهم.
ولا يقتصر دور الجالية على الجانب المالي، بل يمتد ليشمل نقل الخبرات والمعارف التي اكتسبوها في بلدان المهجر. فالعديد منهم يساهمون في تطوير قطاعات حيوية مثل الرياضة، من خلال مشاركة خبراتهم الاحترافية ودعم البنى التحتية الرياضية. كما ينخرطون في مبادرات اجتماعية وثقافية تهدف إلى تنمية مجتمعاتهم المحلية، مثل بناء المدارس والمساجد ودعم الفئات المعوزة.
حب الوطن: قصة وفاء تتوارثها الأجيال
إن ارتباط المغاربة المقيمين بالخارج بوطنهم الأم هو قصة وفاء متجذرة تتجاوز المصالح المادية. فرغم بعد المسافات والتحديات التي قد يواجهونها، يظل المغرب حاضراً في قلوبهم وعقولهم. وتشير التقارير إلى أن نسبة كبيرة جداً من “مغاربة العالم”، تصل إلى 93%، يصفون علاقتهم بالوطن الأم بالقوية، مما يعكس عمق الانتماء والارتباط الوجداني. ويتجلى هذا الحب في حرصهم على زيارة المغرب بانتظام، خاصة خلال العطل الصيفية في إطار “عملية مرحبا”، وتشبتهم بالتقاليد والقيم المغربية الأصيلة، وسعيهم لغرس هذا الحب في نفوس الأجيال الشابة.
وتحرص الدولة المغربية على تعزيز هذه الروابط من خلال مبادرات متنوعة تهدف إلى تسهيل اندماجهم ومشاركتهم في الحياة الوطنية، وتثمين مساهماتهم في مختلف المجالات. وقد حظيت استثمارات الجالية بعناية ملكية سامية، تمثلت في دعوات لتسهيل المساطر الإدارية وتنويع مجالات الاستثمار لتشمل قطاعات واعدة أخرى غير العقار.
تحديات وآفاق واعدة
على الرغم من الدور المحوري الذي تلعبه الجالية المغربية، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تعيق مساهمتهم بشكل أكبر في تنمية وطنهم، من بينها بطء وتعقيد بعض الخدمات الإدارية، وعدم وضوح الرؤية بشأن بعض فرص الاستثمار، ومحدودية الوصول إلى المعلومات في بعض الأحيان. إلا أن الوعي المتزايد بأهمية دورهم، والجهود المبذولة لتذليل هذه الصعوبات، تبشر بمستقبل واعد لمساهمة أكبر وأكثر فاعلية لمغاربة العالم في مسيرة بناء المغرب الحديث.
إن الجالية المغربية المقيمة بالخارج هي كنز حقيقي للمغرب، فهم يمثلون قوة اقتصادية واجتماعية وثقافية لا يمكن الاستغناء عنها. وبفضل حبهم الراسخ لوطنهم الأم واستعدادهم الدائم للمساهمة في نهضته، سيظلون دائماً شركاء أساسيين في تحقيق طموحات المغرب نحو مزيد من التقدم والازدهار.