في مشهد يتكرر بشكل مأساوي، تعود فاجعة جديدة لتلقي بظلالها على إقليم تارودانت، حيث أثارت وفاة طفل بدوار الحجاج، التابع لجماعة سبت الكردان، إثر لسعة عقرب سامة، موجة من الغضب والاستياء العارم. لم تكن هذه الحادثة سوى حلقة أخرى في سلسلة من المآسي التي تكشف عن هشاشة المنظومة الصحية في المناطق القروية، وتُسلط الضوء على واقع مرير يواجهه السكان، خصوصًا مع غياب التجهيزات الطبية الأساسية، ونقص الأمصال، والتأخر في الاستجابة للحالات الطارئة.
سباق مع الموت
بعد أن تعرض الطفل للسعة عقرب، بدأت أعراض التسمم تظهر عليه بسرعة، مما استدعى نقله بشكل مستعجل إلى أقرب مركز صحي. ولكن، وكما هو الحال في العديد من المراكز الصحية القروية، غياب المصل المضاد وضعف الإمكانيات الطبية كانا العقبة التي حالت دون إنقاذ حياته. فارق الطفل الحياة بعد أن انتشر السم في جسده، تاركًا خلفه حزنًا عميقًا وتساؤلات مُلحة حول مدى استعداد البنية الصحية في المناطق النائية لمواجهة مثل هذه الحالات.
هذه المأساة لم تكن فردية، بل جاءت بعد أيام قليلة فقط من وفاة طفل آخر بدوار تسكينت، إثر لدغة أفعى، في مشهد يعكس العجز المستمر في التعامل مع الحالات الطارئة. التأخر في وصول سيارات الإسعاف، ونقص المعدات الطبية الأساسية، كلها عوامل تضافرت لتجعل من هذه المناطق مسرحًا لمأساة إنسانية، حيث يصبح كل تأخير ثمنه حياة إنسان.
هل المصل هو الحل؟
في محاولة لتوضيح الصورة، أكد مصدر من وزارة الصحة أن معظم الوفيات لا تُعزى إلى غياب المصل بقدر ما تُعزى إلى التأخر في نقل المصابين إلى المستشفيات المجهزة. وأوضح المصدر أن المراكز الصحية القروية لا تتوفر عادة على الأمصال المضادة نظرًا لحساسيتها الشديدة، تكلفتها العالية، وشروط التخزين الصارمة التي تتطلبها، مما يجعل استخدامها محصورًا في المستشفيات الكبرى.
أما بخصوص لسعات العقارب، فقد نفى المصدر وجود مصل فعّال معترف به علميًا، مشيرًا إلى أن البرتوكول العلاجي المتبع يعتمد على أدوية مضادة للالتهاب والحمى والغثيان، وهي متوفرة غالبًا في المراكز الصحية. هذه الإفادات، وإن كانت تهدف إلى توضيح الجانب العلمي، فإنها تضع علامة استفهام كبيرة حول الإجراءات المتخذة للحد من الوفيات، خاصة وأن الإحصائيات تُظهر خطورة الوضع. فخلال سنة 2024، سُجلت بجهة سوس ماسة حوالي 2500 حالة لسعة عقرب، و28 حالة لدغة أفعى تسببت في وفاة واحدة، وهي أرقام تُبرز الحاجة الملحة لتدخل طبي سريع وفعّال.
صرخة في وجه التهميش
تُعاني عدد من الجماعات القروية بإقليم تارودانت، مثل إكيدي وأوزيوة وتافنكولت وتالكجونت، من أوضاع صحية صعبة بسبب بُعد المستشفيات، وصعوبة التضاريس، ونقص سيارات الإسعاف، خاصة في فصل الصيف حيث يكثر انتشار العقارب والأفاعي.
ولمواجهة هذا الوضع، وجّه نائب برلماني عن الفريق الاستقلالي سؤالاً كتابيًا إلى وزير الصحة، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات فورية للحد من هذه المخاطر، وتوفير الأمصال الضرورية، وتحسين سبل العلاج. كما دعت فعاليات مدنية وحقوقية إلى تدخل عاجل من الوزارة لتزويد المستشفيات بالأمصال، وتكوين الأطر الصحية، وتنظيم حملات توعية لسكان القرى حول الوقاية والإسعافات الأولية.
تتزايد مطالب المواطنين في تارودانت والمناطق القروية عمومًا بإصلاح شامل للمنظومة الصحية، وضرورة تحقيق العدالة في الولوج إلى العلاج، صونًا لحق المواطنين، وخصوصًا الأطفال، في الحياة، فهل ستُسفر هذه المآسي عن تحرك جدي لإنقاذ أرواح أخرى، أم أنها ستظل مجرد حوادث عابرة في سجل الموت البطيء في صمت؟