اكتشف مكناس: تاريخ عاصمة المغرب الإسماعيلية وسحر أزقتها القديمة

فايس بريس9 أغسطس 2025آخر تحديث :
اكتشف مكناس: تاريخ عاصمة المغرب الإسماعيلية وسحر أزقتها القديمة

أخزو زهير 

تُعدّ مدينة مكناس، جوهرة المغرب الإسماعيلية، سجلًا حيًا يحكي عن قرون من التاريخ والعظمة.

ليست مجرد مدينة عادية، بل هي حكاية منقوشة على أبوابها الضخمة، وهمس يسري في أزقتها الضيقة، وروح باقية في قصورها الفخمة. من خلال هذا المقال الصحفي الوثائقي، نستكشف عمق تاريخ مكناس، ونغوص في تفاصيل أحياءها القديمة، وصولًا إلى الأثر الروحي الذي تركه فيها مولاي إدريس.

تاريخ عاصمة مجيدة: من الرومان إلى السلطان المولى إسماعيل

يعود تاريخ مدينة مكناس إلى عصور ما قبل الإسلام، حيث كانت المنطقة مسكونة من قبل قبائل أمازيغية. لكن المدينة أخذت صفتها الحقيقية وأهميتها الاستراتيجية في العصر المرابطي والموحدي. بيد أن العصر الذهبي لمكناس بدأ في القرن السابع عشر الميلادي، على يد السلطان العلوي المولى إسماعيل.

اختيار المولى إسماعيل لمكناس كعاصمة

لإمبراطوريته لم يكن صدفة، فقد أراد أن يبني مدينة تنافس عواصم العالم الكبرى، وأن تكون رمزًا لسلطته المطلقة وقوته. وعلى مدى خمسين عامًا، عمل السلطان على تحويل مكناس إلى مدينة عظيمة، فبنى السور الضخم الذي يمتد على مسافة 40 كيلومترًا، والقصر الإمبراطوري المترام الأطراف، والحبوس والمخازن الشاسعة التي أذهلت المؤرخين. هذه الحقبة هي التي منحت مكناس لقب “مدينة المائة باب”.

المدينة القديمة وأزقتها الساحرة: قلب مكناس النابض

إذا أردت أن تشعر بنبض مكناس الحقيقي، فعليك أن تتجول في المدينة القديمة (التي تُعرف بـ”المدينا”). هنا، تختفي ضوضاء العصر الحديث لتحل محلها أصوات الحرفيين وهم يعملون، ورائحة التوابل والأعشاب المنبعثة من الأسواق. أزقة مكناس ليست مجرد ممرات، بل هي شرايين المدينة التي تروي قصص سكانها.

  • حي الإسماعيلية: يعتبر هذا الحي من أقدم الأحياء، وهو يحمل بصمة السلطان المولى إسماعيل بشكل واضح. تجد فيه منازل تقليدية بتصاميم عتيقة، ومساجد تاريخية تشهد على عظمة الفترة الإسماعيلية.
  • حي الزيتون: يشتهر هذا الحي بأسواقه المتخصصة في بيع الزيتون وزيت الزيتون، وهو مكان مثالي لاكتشاف المنتجات المحلية والتعرف على الحياة اليومية للمكناسيين.
  • ساحة الهديم: قلب المدينة القديمة، وهي ساحة نابضة بالحياة تشبه إلى حد كبير ساحة جامع الفنا بمراكش. هنا يجتمع الحكواتيون، وبائعو التمور، والموسيقيون، ليخلقوا جوًا من السحر والتراث.

الأثر الروحي: مولاي إدريس وزرهون

لا يمكن الحديث عن تاريخ مكناس دون الإشارة إلى الأثر الروحي القوي الذي تركته مدينة مولاي إدريس زرهون المجاورة. يُعتبر المولى إدريس الأول، مؤسس الدولة الإدريسية وأول من أدخل الإسلام إلى المغرب بشكل منظم، شخصية محورية في الوعي الجمعي للمغاربة.

تقع مدينة مولاي إدريس على بعد بضعة كيلومترات من مكناس، وتعتبر وجهة رئيسية للحجاج والزوار الذين يأتون للتبرك بضريحه. هذا القرب الجغرافي جعل من مكناس مركزًا دينيًا وحضاريًا مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالمدينة المقدسة، مما عزز من هويتها الروحية والتاريخية.

معالم خالدة: شهود على عظمة الماضي

تزخر مكناس بآثار ومعالم تُعدّ شاهدًا على ماضيها العريق. من أبرز هذه المعالم:

  • باب منصور لعلج: يعتبر هذا الباب الأيقونة الحقيقية لمكناس. بتصميمه الفخم وزخارفه الأندلسية، يُعتبر من أجمل الأبواب في العالم، وهو يُمثل المدخل الرئيسي لقصر السلطان المولى إسماعيل.
  • صهريج السواني: وهو خزان مياه ضخم كان يستخدم لتزويد المدينة والحدائق بالمياه، ويُظهر العبقرية الهندسية في ذلك العصر.
  • قبور المولى إسماعيل: وهي معلم معماري وزخرفي فريد يضم ضريح السلطان المولى إسماعيل وبعض أفراد عائلته، ويعكس روعة الفن المعماري المغربي.

مدينة مكناس ليست مجرد موقع سياحي، بل هي رحلة عبر الزمن. كل زاوية فيها تحكي قصة، وكل حجر فيها يحمل تاريخًا. إنها دعوة مفتوحة للغوص في عمق الحضارة المغربية، واكتشاف مدينة ظلت محافظة على روحها الأصيلة، وشاهدًا صامتًا على مجد الماضي العريق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة