السحر والشعوذة في المغرب: ظاهرة اجتماعية تُغذّيها اليأس

فايس بريس12 أغسطس 2025آخر تحديث :
السحر والشعوذة في المغرب: ظاهرة اجتماعية تُغذّيها اليأس

كانت “فاطمة” (اسم مستعار) تحلم بحياة هادئة ومستقرة، لكن أحلامها سرعان ما تبخرت لتجد نفسها غارقة في دوامة من الشك والخوف بعد أن أخبرها أحد المشعوذين أن حياتها الزوجية مهددة بسحر أسود. قصة فاطمة ليست حالة فردية، بل هي جزء من نسيج اجتماعي واسع يجد فيه الكثيرون أنفسهم فريسة لظاهرة السحر والشعوذة التي تتغلغل في جوانب مختلفة من المجتمع المغربي.

هذا التحقيق الصحفي لا يهدف إلى إثارة الجدل، بل يسعى إلى فهم الأسباب الجذرية لانتشار هذه الظواهر، وأنواعها، وتأثيراتها العميقة على الأفراد والمجتمع. كما يلقي الضوء على الجانب الاقتصادي من هذه الممارسات، ودور الأضرحة والزوايا، والجهود المبذولة لمكافحتها.

الأسباب الاجتماعية والاقتصادية: البحث عن حلول في غير مظانها

يعتبر علماء الاجتماع أن الظروف الاقتصادية الصعبة والجهل واليأس من أهم العوامل التي تدفع الأفراد للبحث عن حلول سريعة لمشاكلهم خارج الأطر التقليدية. يقول الأستاذ و باحث في علم الاجتماع، إن “الشعوذة تستغل نقاط الضعف الإنسانية، فتقدم حلولًا سحرية لأزمات معقدة مثل البطالة أو الفقر أو المشاكل العائلية، مما يجعلها ملاذًا وهميًا لليائسين”.

من جهة أخرى، يرى خبراء في علم النفس أن السحر والشعوذة قد يكونان وسيلة للتعبير عن القلق والتوتر النفسي، خاصةً في المجتمعات التي تفتقر إلى الوعي بأهمية الصحة النفسية. وفي هذا السياق، تشكل هذه الممارسات مصدر دخل غير مشروع للعديد من الأفراد، حيث تُبنى إمبراطوريات مالية على استغلال عوز الناس وحاجتهم.

أنواع السحر وآثاره: قصص تتجاوز الخيال

تتعدد أشكال السحر والشعوذة التي تنتشر في المغرب، من سحر “المحبة” الذي يهدف إلى استمالة القلوب، إلى سحر “التفريق” الذي يزرع الشقاق بين الأزواج. قصص الضحايا، وإن كانت مجهولة الهوية، تحمل في طياتها مآسي إنسانية حقيقية. “كانت حياتي مستقرة قبل أن أكتشف أن صديقة لي قامت بعمل سحر للتفريق بيني وبين زوجي، مما تسبب في انهيار علاقتي تمامًا”، تقول “مريم” (اسم مستعار) والدموع في عينيها.

هذه الممارسات لا تترك آثارًا نفسية على الضحايا فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى تدمير العلاقات الاجتماعية والأسرية. فالشك والريبة يدمران الثقة، ويدفعان بالضحايا إلى العزلة والانطواء.

الأضرحة والزوايا: بين التبرك والشعوذة

تعد الأضرحة والزوايا جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي والديني في المغرب، لكنها في بعض الأحيان تتحول إلى ساحات لممارسات مشبوهة. يرى باحثون في الشأن الديني أن هناك فرقًا كبيرًا بين التبرك المشروع بالصالحين والدعاء لهم، وبين الشعوذة والدجل الذي يستغل قدسية هذه الأماكن للاحتيال على الناس.

وفي هذا الصدد، تؤكد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على ضرورة التمييز بين الأمرين، وتحذر من استغلال هذه الأماكن لأغراض خارجة عن تعاليم الدين الإسلامي.

جهود مكافحة الظاهرة: الحاجة إلى مقاربة شاملة

تتضافر جهود الحكومة والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني لمكافحة هذه الظاهرة. فمن الناحية القانونية، يعتبر “النصب والاحتيال” جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن إثبات هذه الجرائم في قضايا السحر والشعوذة قد يكون أمرًا صعبًا. يقول المحامي إن “تكييف هذه الأفعال كجريمة يعتمد على وجود أدلة مادية تثبت عملية الاحتيال والنصب”.

وتلعب المؤسسات التعليمية والإعلامية دورًا محوريًا في نشر الوعي ومحاربة الجهل، وتقديم بدائل منطقية وعلمية لحل المشاكل التي تواجه الأفراد.

في الختام، يظل السحر والشعوذة ظاهرة معقدة تتطلب مقاربة شاملة، تجمع بين التوعية الدينية والعلمية، وتوفير حلول اقتصادية واجتماعية حقيقية، حتى لا يجد الأفراد أنفسهم مضطرين للبحث عن حلول في غير مظانها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة