بوشرة البوزياني
من سفوح الأطلس المتوسط، حيث يلتقي التاريخ بجمال الطبيعة، تحوّلت جماعة كروشن بإقليم خنيفرة إلى مسرح كبير للاحتفاء بالثقافة والتراث الأمازيغي. ثلاثة أيام من 29 إلى 31 غشت 2025، عاشت خلالها المنطقة أجواء احتفالية غامرة، في النسخة الثالثة من ملتقى التراث والثقافة الذي اختار شعار: “دور الموروث الثقافي في التنمية المحلية”، ليؤكد أن الثقافة ليست ترفاً، بل قوة محرّكة للتنمية المجالية.
الملتقى أبدع في تقديم فسيفساء من الفنون الشعبية التي عكست غنى الهوية المغربية، حيث خطفت عروض التبوريدة الأنظار باستحضارها قيم الفروسية والشهامة الأطلسية، فيما صدحت المنصات بأصوات أمازيغية مميزة، مثل الشاعر أوسيدي، والفنان رشيد أوخويا، والفنانة فاطمة فزاز. أما السهرات الفنية فقد تألقت فيها سلمى الزيانية وهدى الخنيفريّة، إلى جانب فرق أحيدوس التي أبهرت الجمهور بأهازيج الأطلس العريقة.
وشهدت الدورة حضور شخصيات وازنة من المسؤولين والمنتخبين، يتقدمهم أكثر من ثمانية رؤساء جماعات، والبرلمانية سعدية امحزون، ونائب رئيس جهة بني ملال – خنيفرة بناصر ازكاغ، ورئيس المجلس الإقليمي ورئيس مجموعات جماعات الأطلس، إضافة إلى فعاليات مدنية وعسكرية، في رسالة واضحة بأن الاستثمار في الثقافة أصبح ضرورة وطنية.
كما خصصت فعاليات الملتقى لحظات تكريم لشخصيات جمعوية ومؤسساتية ساهمت في خدمة الإقليم، في بادرة رمزية تُبرز قيمة الاعتراف والوفاء لكل من وضع بصمته في مسار التنمية المحلية.
لم يقتصر الحدث على الاحتفاليات، بل حمل رؤية عميقة تهدف إلى جعل التراث الأمازيغي رافعة للتنمية السياحية والاقتصادية، عبر تسليط الضوء على ثراء الموروث المغربي المتعدد الروافد. فالملتقى يسعى إلى جعل الثقافة أداة عملية للنهوض بالمناطق الجبلية، بما ينسجم مع التوجهات الوطنية لجعل الرأسمال اللامادي محركاً أساسياً للتنمية المستدامة.
بهذه النسخة، أثبتت كروشن أن الأطلس المتوسط قادر على ترسيخ حضوره في المشهد الثقافي الوطني، وأن مهرجانه بات موعداً سنوياً ينتظره عشاق الفنون والتراث، ونقطة التقاء للنقاش حول مستقبل الهوية الأمازيغية ودورها في بناء مغرب الغد.
