خرجت أصوات الغضب منذ الساعات الأولى من اليوم الأربعاء 10 شتنبر 2025 في ضاحية “سان دوني” شمالي باريس، مرددة شعارات مثل: “كرامة العمال” و”إسقاط ماكرون”، احتجاجا على اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث احتشد طلاب وعمال ومتقاعدون في حراك أسموه “لنغلق كل شيء”، وحولوا شوارع المدينة إلى ساحات غضب ضد السياسات التقشفية وأزمة السكن وغياب الفرص أمام الشباب، في مشهد يعكس رفضا جماعيا لحكومة تُتهم بالانصياع لمصالح رأس المال وتجاهل معاناة المواطنين.
ووفق ما نشره موقع “فرانس24″، فقد تجمع المشاركون قرب مدخل محطة مترو “باب باريس” عند العاشرة صباحا، رافعين صورا منتقدة للرئيس والحكومة، من بينها صورة لماكرون يشرب من دماء الفرنسيين، حيث بدأت المظاهرة منذ السادسة صباحا عند “بورصة العمال” التابعة لبلدية “سان دوني”، ثم سار المتظاهرون على الأقدام حتى “باب سان دوني”، حيث قاموا بإغلاق مفترق الطرق لمدة ساعة، مطالبين الأغنياء بدفع المزيد من الضرائب والتعبير عن رفضهم لسياسات الحكومة.
وحسب ذات المصدر، فقد كان أغلب المشاركين طلابا من جامعة “سان دوني”، جاءوا للتعبير عن رفضهم لسياسات ماكرون التي، بحسب تصريحاتهم، “تدعم الأغنياء وتخذل الفقراء والطبقة الوسطى”. وفي هذا السياق، قالت مغالي، طالبة دكتوراه وأستاذة بالجامعة، في تصريح نقلته “فرانس24” إنهم يتظاهرون للتعبير عن معاناتهم مع صعوبة إيجاد وظيفة وسكن، مضيفة أن تعيين رئيس حكومة جديد لن يغير شيئا، لأنه سيحاول تمرير ميزانية تقشفية تلقي بحملها على المواطنين الضعفاء، ما يجعل مستقبل الشباب غامضا ومقلقا.
أما فريديريك، متقاعد يبلغ 65 عاما، فأكد لنفس الموقع أنه جاء برفقة ابنته الممرضة وابنه الطالب للمشاركة في الاحتجاجات، معتبرا أن الأغنياء والرأسماليين هم من أوصلوا البلاد إلى هذا الوضع. وأضاف أن عليهم خلق عالم جديد، لأنه لم يعد أمامهم خيار سوى رفض العيش في عالم مرير ومظلم.
واستمرت عملية إغلاق مدخل “باب سان دوني” نحو ساعة، حيث عقد المتظاهرون اجتماعات قصيرة للبحث عن طرق احتجاجية أخرى، بينما قام بعض الشباب بتوزيع القهوة والكعك على المشاركين، قبل أن تصل قوات الأمن وتتفاوض معهم لإخلاء المفترق.
من جهتهم، رفض المتظاهرون مغادرة المكان، ما دفع الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، فيما توجه المحتجون بعدها إلى ثانوية “بول إليار” لمحاولة دعم الطلاب، ثم إلى محطة مترو “باب باريس” لإغلاق مسلك قطار الترام ومفترق الطرق المجاور، حيث شارك في التجمع مئات من الأشخاص من أطياف اجتماعية وسياسية مختلفة، رافعين شعارات مناهضة لماكرون والحكومة، ومن بينها: “ماكرون يحتقر الجمهورية”، و”الطلبة والعمال متحدون ضد سياسات التقشف والحرب”، و”ماكرون يدعم المصالح الشخصية والأغنياء وليس المصلحة العامة”، وفق نفس الموقع دائما.
وفي سياق متصل، أوضحت ناتالي، متقاعدة، في تصريح مماثل أن سبب تواجدها في الاحتجاجات هو فقدان الأمل، معتبرة أن الطبقة السياسية والاقتصادية لا تمثلهم ولا تفكر إلا في مصالحها. وأشارت إلى أن الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرا، وأن الوضع لن يتغير دون تحرك جدي، وأضافت أن الأزمة لا تؤثر كثيرا على حياتها الشخصية، لكنها تشعر بالقلق على أولادها الذين يواجهون صعوبات كبيرة، مثل تخفيض الميزانيات المخصصة للثقافة والتعليم، مما يجعل الحصول على شقة أو عمل أمراً صعباً للغاية.
وجدير بالذكر أن إغلاق مدخل “باب باريس” دام ساعتين على الأقل تحت رقابة أمنية مشددة، قبل أن يقرر المتظاهرون الانتقال إلى محطة “غار دو نورد” لتنظيم تجمع احتجاجي آخر مع موظفي شركة المترو. وفي شوارع “سان دوني”، تجمعت آلاف العمال مع آلاف الطلاب، لتؤكد أن حراك “لنغلق كل شيء” ليس مجرد احتجاج عابر، بل صرخة جيل يرى مستقبله ينهار تحت وطأة السياسات التقشفية، وقد يكون إعلانا عن ولادة مقاومة جديدة ضد ماكرون ونظامه قبل عامين فقط من الانتخابات الرئاسية القادمة.