تأتي الانتخابات العامة التي تجرى، اليوم الأربعاء 29 ماي، بجنوب إفريقيا في توقيت سيء بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، لدرجة أنها يمكن أن تمثل نقطة تحول رئيسية في المشهد السياسي في البلاد، وتدق آخر مسمار في نعش الحزب بعد هيمنته على السلطة منذ ثلاثة عقود.
وإذا كان الملاحظون يتفقون على القول إن حزب نيلسون مانديلا، يمر بأزمة عميقة وقاد جنوب إفريقيا نحو أزمة خطيرة، فإن اقتراع اليوم الذي طال انتظاره، من شأنه إحداث تغيير جذري في المشهد السياسي للبلاد، بحيث يرجح أن يفقد الحزب الحاكم أغلبيته المطلقة على المستوى الوطني، وبالتالي يمكن أن يتغير الحكم نظريا في عدة أقاليم.
وتتألف الأضرار التي تسبب فيها الحزب التاريخي بالبلاد من خليط يتكون من الاستحواذ على الدولة، والفساد المستشري، والانقطاعات المتتالية للتيار الكهربائي، والسياسات الماكرو- اقتصادية السيئة، والممارسات الاستبدادية إزاء النضالات الشعبية، فضلا عن الاستخفاف بالشعب.
لكل هذه الأسباب وأخرى غيرها، يجد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي نفسه في مواجهة تحديات كبيرة وغارقا في وضع غير مسبوق، إذ أنه مهدد بالنزول إلى ما دون نسبة 50 في المائة من الأصوات خلال الاقتراع، وبالتالي خسارة أغلبيته المطلقة لأول مرة في البرلمان، مما سيضطره إلى عقد تحالفات مع أحزاب أخرى ليضمن البقاء في السلطة.
وتنبغي الإشارة في هذا السياق إلى أن هذا الحزب الذي يشغل حاليا 230 مقعدا من أصل 400 (57.50 في المائة) داخل الجمعية الوطنية، يواجه المزيد من المعارضة من عدة اتجاهات، بما فيها حزب (أومكونتو وي سيزوي) الذي أسسه حديثا الرئيس السابق جاكوب زوما، وكذا حزب (التحالف الديمقراطي) حزب المعارضة الرئيسي الذي يتوفر على 84 مقعدا (20.77 في المائة) داخل البرلمان.
ويرى العديد من المحللين السياسيين أن حزب جاكوب زوما الجديد يمثل تهديدا جديا بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، خاصة في إقليم كوازولو ناتال المأهول بالسكان والمعقل التاريخي لحزب نيلسون مانديلا، والذي أصبح ساحة معركة سياسية بين عدة أحزاب.
والواقع أن تغيير زوما لموقعه بتأسيسه حزبا جديدا، شكل ضربة موجعة بالنسبة لحزب حاكم يواصل خسارة شعبيته على الميدان، فضلا عن فضائح الفساد التي تلطخ سمعته، وذلك في سياق البطالة المستوطنة والفقر المتزايد واستمرار أوجه عدم المساواة.
صراعات داخلية بين مختلف فصائل حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي”
فضلا عن الأسباب المذكورة، تساهم عوامل أخرى عديدة في إضعاف الحزب الحاكم، أبرزها الصراعات الداخلية بين فصائله المختلفة. فداخل حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي”، يوجد تيار ليبرالي ليس له أي دور ولم ينجح قط في الهيمنة على الحزب منذ إنشائه.
ويتوفر الحزب ، أيضا ، على يسار (الحزب الشيوعي الجنوب إفريقي) والاتحاد النقابي “كوساتو”. إلا أن هذا التيار ليست لديه أية فرصة للأخذ بزمام الأمور داخل الحزب.
أما التيار الديمقراطي الاجتماعي المعتدل (يمثل التيار الفكري للحزب) والذي كان يقوده ثابو مبيكي سابقا ، فقد أصبح ضعيفا اليوم إلى الحد الذي جعله غير ذي أهمية.
كما أن هناك فصيلا قوميا يمثله أشخاص مثل بيتر موكابا وويني ماديكيزيلاـ مانديلا. وهو الفصيل الذي كان يتزعمه جاكوب زوما.
وحسب العديد من المحللين، فإن هذا الفصيل القومي لديه فرص حقيقية للعودة إلى السلطة في حال حصل حزب (المؤتمر الوطني الإفريقي) على أقل من 50 في المائة من الأصوات، وهو أمر مرجح للغاية. ويعتقدون أن التحالف المحتمل لهذا الفصيل مع الحزب المعارض (المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية) يشكل خطرا حقيقيا على جنوب إفريقيا، لأنه من شأنه مأسسة الفساد وضرب الالتزامات الديمقراطية في الصميم.
والأمر المؤكد هو أن تاريخ 29 ماي 2024 سيظل خالدا في أذهان مواطني جنوب إفريقيا، لأنه سيشكل محطة لإعادة تشكيل الخريطة السياسية للبلاد التي هيمن عليها، ولفترة طويلة، حزب (المؤتمر الوطني الإفريقي).