بلجيكا.. دخول سياسي على صفيح ساخن

هيئة التحرير8 سبتمبر 2021آخر تحديث :
بلجيكا.. دخول سياسي على صفيح ساخن

بعد مرور عام تقريبا على تشكيلها بناء على حل توافقي تحتفظ بسره بلجيكا لوحدها، تدشن حكومة دو كرو دخولها على وقع ملفات شائكة موضوعة على الطاولة، ما سيمثل اختبارا بالنسبة للأحزاب السياسية السبعة التي تشكلها.

ومن المتوقع أن يواجه التحالف الفيدرالي البلجيكي في الوقت الحالي العديد من التحديات، في سعيه إلى الوفاء بالتزاماته، حيث سيتولى خلال الأشهر المقبلة مهمة ثقيلة تتمثل في تنفيذ مشاريع ملحة بقدر ما هي معقدة.

وإذا كانت جائحة “كوفيد-19” قد استحوذت على كل الاهتمام تقريبا على مدى عدة أشهر، ما جعل ملفات مهمة أخرى تحتل مكانة ثانوية، فإنها تستمر برسم دخول 2021 في تشكيل مصدر إزعاج حقيقي للحكومة البلجيكية، حيث لا يزال تدبير هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة ذات التداعيات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، يمثل تحديا وازنا بالنسبة لتحالف “فيفالدي” الذي يحاول قدر المستطاع، منذ توليه السلطة، إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مواجهة وضع غير مسبوق ومعقد.

فبعد فترة هدوء في بداية الصيف، سيكون على السلطات البلجيكية التعامل مع عودة الوباء بسبب انتشار المتحور “دلتا” والتفاوتات الإقليمية من حيث تغطية اللقاحات التي تقلق الخبراء والسياسيين.

المراقبة الحدودية، التدابير التقييدية والنقاش حول إجبارية التلقيح، الذي تم سنه بالنسبة للعاملين في القطاع الصحي ولكن يمكن توسيع نطاقه ليشمل مهنا أخرى أو لجميع السكان على المدى الطويل، هي العديد من النقاط التي ستكون السلطة التنفيذية مطالبة بتوضيحها.

كما يشكل الحفاظ على تدابير الدعم للقطاعات الأكثر تضررا جراء الأزمة الصحية، موضوعا شائكا يتعين على حكومة ألكسندر دو كرو الانكباب عليه.

وبينما تنتهي العديد من إجراءات الدعم السوسيو-اقتصادي في 30 شتنبر الجاري، بما في ذلك “البطالة المؤقتة لكورونا”، وكذا “تجميد تراجع إعانات البطالة”، فإن تمديدها يخضع لعرقلة سياسية داخل الأغلبية الحكومية. ولسبب وجيه، هناك اختلاف في وجهات النظر بين الشركاء الفرونكفونيين والفلامانيين ضمن التحالف الفيدرالي حول هذا الإجراء.

وإذا كان الحزبان الفرونكفونيان (الحزب الاشتراكي والإيكولوجي) يدعوان إلى الإبقاء على تدابير “كورونا” إلى ما بعد 30 شتنبر، فإن الهيئات السياسية بشمال البلاد تعتبر من جهتها أنه بفضل الانتعاش الاقتصادي الراهن، لم تعد هذه الإعانات ضرورية.

ويتمثل الملف الآخر ذي الأولوية على طاولة الحكومة البلجيكية، في تنفيذ خطة التعافي لما بعد الكوفيد وإعداد الميزانية الفيدرالية للعام 2022. وبالتأكيد، لن يكون هذا أمرا سهلا في ظل الوضع الصعب للمالية العمومية والعجز العام الذي اتسعت هوته بفعل الأثر الاقتصادي للجائحة، فضلا عن النفقات المتعلقة بمساعدات الدولة للقطاعات الأكثر تضررا.

كما ستكون السلطة التنفيذية، التي تريد أيضا تعزيز استثماراتها العمومية، مدعوة لحل مشكلة المديونية، التي يقترب معدلها من العتبة المقلقة لـ 120 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وبالإضافة إلى حل معادلة الميزانية، سيتعين على حكومة دو كرو، أيضا، الانكباب على مكافحة البطالة بهدف رفع معدل التوظيف في البلاد إلى 80 بالمائة بحلول العام 2030. أحد التحديات التي تعتبر جسيمة، لاسيما منذ ظهور الوباء الذي جاء ليعقد الوضع أكثر.

ويشكل إصلاح نظام التقاعد، أيضا، موضوعا ذي أولوية بالنسبة للتحالف الفيدرالي البلجيكي، لكن مشروع الإصلاح الذي قدمته الوزيرة الاتحادية البلجيكية للمعاشات التقاعدية والاندماج الاجتماعي، كارين لاليو، الذي يقترح إقرار “سن تقاعد مرن”، ونظام تقاعد “جزئي”، والقضاء على التفاوتات الهيكلية إزاء المرأة، أثار انتقادات شديدة داخل الأغلبية الحكومية.

وسرعان ما تفاعلت حركة الإصلاح مع هذا المقترح، معتبرة أنه “خارج نطاق الميزانية”، وأنه لا يتوافق مع الأهداف التي حددها الائتلاف الحكومي.

وقال القوميون الفلامانيون الممثلون بالائتلاف الفلاماني الجديد “نريد مرة أخرى أن ننفق الأموال التي لا نملكها، دون أي ملاءمة صحيحة تجعل الإصلاح مستداما بالنسبة للأجيال القادمة”.

وبالنسبة للشق المناخي، ينبغي على حكومة دو كرو تسوية مسألة التخلص التدريجي من الطاقة النووية، التي لا تزال تثير جدلا محتدما في بلجيكا.

وفي الوقت الذي التزمت فيه السلطة التنفيذية بالتخلص التدريجي من الطاقة النووية في العام 2025 لتتماشى مع أهدافها المناخية التي تنص على خفض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، تطرح أسئلة حول أمن الإمدادات والتأثير على سعر الكهرباء، ما قلب الميزان نحو تمديد عمر بعض المفاعلات النووية إلى ما بعد العام 2025 لدى العديد من شركاء الأغلبية الحكومية.

ومع ذلك، ترفض الأسرة الإيكولوجية داخل الائتلاف الفيدرالي هذا الخيار، وتصر على ضرورة احترام التزامات البلاد في مجال المناخ وطي صفحة الطاقة النووية.

ويتمثل الموضوع الشائك الآخر بالنسبة للائتلاف الحكومي في قضية الهجرة التي كانت قد أسقطت بالفعل حكومة ميشيل في نهاية العام 2018، قبل أن تتسبب في تعثر حكومة دو كرو في نهاية يوليوز 2021. فالإضراب عن الطعام الذي خاضه نحو 450 مهاجرا غير شرعي في بروكسيل كان على وشك إدخال البلاد في أزمة سياسية جديدة بعد تهديدات من الحزب الاشتراكي وإيكولوجي بمغادرة الحكومة في حال حدوث وفاة بين المضربين، لكن تم أخيرا التوصل إلى اتفاق يسمح بتسوية الوضع.

وما إن انتهت أزمة الهجرة هذه، حتى تمت الدعوة إلى مناقشات حول استقبال اللاجئين الأفغان الفارين من بلادهم، التي وقعت بين أيدي طالبان، والمدرجة في جدول أعمال السلطة التنفيذية للدخول الحالي، ومع تزايد التخوف من تدفق المهاجرين إلى أوروبا، فإن هذا الموضوع يهدد بتأجيج التوترات السياسية داخل الأغلبية الحكومية.

وسيشكل هذا الدخول السياسي في ظل التوتر الشديد، اختبارا لوحدة حكومة دو كرو، التي كانت على وشك التفكك في يوليوز. والخلافات التي عادت إلى الظهور في الأيام الأخيرة بين شركاء الأغلبية الفيدرالية تذكرنا بمدى صعوبة قيام الأحزاب السياسية السبعة الحاكمة في بلجيكا بضبط عزفها على إيقاع واحد.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة