بقلم: ي.ب
على بعد 90 كيلومتراً شرق مدينة ورزازات، تتربع مدينة قلعة مكونة كجوهرة نادرة في قلب الجنوب الشرقي للمغرب. ليست مجرد مدينة محاطة بالجبال والواحات، بل هي علامة فارقة تربط بين الاقتصاد المحلي، والهوية الثقافية، والسياحة البيئية، وتشتهر عالمياً بلقب “عاصمة الورد”.

تُعد الطبيعة في قلعة مكونة لوحة فنية ساحرة. فالمناظر الطبيعية الخلابة التي تزينها بساتين الورد الدمشقي الممتدة على طول وادي مكون، تخلق مشهداً فريداً من نوعه. في فصل الربيع، يتحول المكان إلى بساط وردي تنبعث منه روائح عطرة تجذب الزوار من كل مكان. تُشكل هذه الورود ليس فقط منظراً جمالياً، بل هي مصدر رزق أساسي للمنطقة، حيث تُقطف بعناية فائقة لتُحوّل إلى منتجات ثمينة مثل ماء الورد والزيوت الأساسية، التي تُصدّر إلى جميع أنحاء العالم وتُستخدم في صناعة العطور ومستحضرات التجميل.

تستمد قلعة مكونة هويتها الثقافية من قبيلة “مكونة” الأمازيغية، ما يمنحها تراثاً شعبياً غنياً وفريداً. ينعكس هذا التراث في كل زاوية من المدينة، بدءاً من القصور والقصبات الطينية التي تحكي قصصاً من الماضي العريق، مروراً بالموسيقى المحلية مثل موسيقى أحيدوس التي تُؤدى في المناسبات والأعراس. إلى جانب ذلك، تُعتبر الحرف اليدوية جزءاً لا يتجزأ من تراث المنطقة، كصناعة الزرابي والجلود، التي تعكس مهارة وإبداع السكان المحليين.

في كل عام، تُتوج قلعة مكونة جهودها في الحفاظ على هذا الإرث من خلال مهرجان الورود الذي يُقام في شهر ماي. هذا المهرجان ليس مجرد احتفال موسمي، بل هو تظاهرة ثقافية واقتصادية عابرة للحدود. يستقطب المهرجان آلاف الزوار من مختلف الجنسيات، ليشهدوا كرنفالاً شعبياً حيوياً تُزين شوارعه العروض الفلكلورية والرقصات التقليدية.
يُقدم المهرجان تجربة ثقافية متكاملة، حيث يُمكن للزوار استكشاف معارض المنتجات المحلية التي تعرض كل شيء من ماء الورد والعطور، إلى المنتجات التقليدية المصنوعة يدوياً. كما أن من أبرز فعاليات المهرجان هي مسابقة “ملكة الورود”، التي تختار أجمل فتاة في المنطقة لتمثيلها خلال فعاليات المهرجان.

تُشكل قلعة مكونة محطة رئيسية ضمن “طريق ألف قصبة”، مما يجعلها وجهة مثالية للسياح الباحثين عن مغامرات جبلية، ورحلات استكشافية وسط بساتين الورود. تجمع المدينة بنجاح بين السياحة البيئية والثقافية، مما يوفر للزوار فرصة نادرة للغوص في حياة أهل الجنوب الشرقي للمغرب، والتعرف على كرمهم الأصيل.
في النهاية، تظل قلعة مكونة أكثر من مجرد مدينة صغيرة؛ إنها نموذج يحتذى به لقدرة منطقة قروية على أن تتحول إلى نقطة إشعاع اقتصادي وسياحي بفضل وردة صغيرة حملت عبقها إلى العالم.